وأمّا المدلول التصوّري فقد يكون مختلفا وقد يكون متّحدا ، ولذلك فهو ليس جوهر الاختلاف بين الجملتين.
فإذا كان اللفظ واحدا في الجملتين كما في ( بعت ) الإخبارية والإنشائيّة فالمدلول التصوّري واحد ولكن كيفيّة الدلالة مختلفة.
وإذا كان اللفظ مختلفا كما في الجملة الإنشائيّة المتمحّضة في الإنشاء كصيغة الأمر والنهي والنداء المغايرة للجمل الإخبارية من قبيل ( أعد الصلاة ) و ( أعاد زيد الصلاة ) ، فإنّ المدلول التصوّري مختلف ، ولكنّه ليس سبب الاختلاف ؛ بل كيفيّة الدلالة هي سبب الاختلاف.
فإنّ جملة ( بعت ) الإنشائيّة دلالتها على مدلولها بمعنى إيجادها له باللفظ ، وجملة ( بعت ) الإخباريّة دلالتها على مدلولها بمعنى إخطارها للمعنى وكشفها عنه. فكما ادّعي في الحروف أنّها إيجاديّة كذلك يدّعى في الجمل الإنشائيّة.
فسّر المحقّق النائيني الاختلاف في كيفيّة الدلالة في الجملتين الخبريّة والإنشائيّة كتفسيره للاختلاف بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي ، وذلك على أساس الإيجاديّة والإخطاريّة.
فجملة ( بعت الكتاب بدرهم ) لا يختلف مدلولها التصوّري الوضعي سواء استعملت للإنشاء أو استعملت للإخبار ، فهي تدلّ وضعا على إفادتها النسبة بين المبدأ والذات. إلا أنّ كيفيّة الدلالة على هذا المدلول تختلف فـ ( فبعت ) الإنشائيّة تدلّ على المدلول الوضعي بمعنى إيجادها للمدلول باللفظ ، أي أنّه يوجد شيئا لم يكن موجودا قبل التلفّظ ، بينما فـ ( بعت ) الإخبارية تدلّ على مدلولها الوضعي بمعنى إخطارها له وكشفها عنه بهذا اللفظ ، أي أنّها توجب إخطار المعنى الموجود في ذهن السامع بهذا اللفظ. وأمّا متى يكون هذا الاختلاف في كيفيّة الدلالة؟
فالجواب : أنّه ينشأ من ظهور حال المتكلّم في كونه في مقام الإنشاء أو في مقام الإخبار ، فالإنشائيّة والإخباريّة ليستا دخيلتين في المعنى الموضوع له اللفظ ، وإنّما هما من شئون الاستعمال وكيفيّة الدلالة والتي هي ظهور سياقي تابع لحال المتكلّم.
فكما أنّ الحروف تكون إيجاديّة والأسماء تكون إخطاريّة ، كذلك الجملة