المفهومان اللذان يراد ربطهما معا ، والثالث هو الوعاء والواقع الذي يتحقّق فيه المفهومان الأوّل والثاني.
فقولنا : ( اضرب زيدا ) هناك نسبة تصادقيّة تامّة متحقّقة بين المفهومين ، أي الضرب وزيد. وأمّا وعاء هذين المفهومين فهو ليس الخارج ، وإنّما عالم الطلب وجعل الحكم ، وهذا الوعاء يتصوّره الذهن ويفترض تصادقهما فيه وهو الجعل والتشريع للحكم ، على خلاف الجمل الخبريّة كقولنا : ( ضرب زيد عمرا ) فإنّهما نسبة تصادقيّة بين المفهومين ، وهي ثابتة في وعاء الخارج والتحقّق.
وهكذا الحال في الاستفهام كقولنا : ( هل زيد عالم ) فالنسبة التصادقيّة متحقّقة في عالم السؤال الذي يفترضه الذهن ، وكذا التمنّي والترجّي.
إلا أنّ الفرق بين الاستفهام ونحوه وبين الطلب ونحوه أنّ الطلب يراد به تحقيق هذه النسبة في الخارج ، فينظر إليها بما هي في طور الثبوت والتحقيق خارجا. بينما في الاستفهام ونحوه قد تكون متحقّقة في الخارج وقد لا تكون موجودة إلا في عالم التخيّل فقط ، فإنّه إذا أجيب بـ ( نعم ) كان معناه أنّ النسبة موجودة في وعاء الواقع.
بينما إذا أجيب ( بلا ) كان معناه أنّه لا وجود لهذه النسبة واقعا ، وإنّما هي في عالم الاستفهام والسؤال المحض الذي يتصوّره الذهن.
وإذا كانت الجملة الإنشائيّة مشتركة مع الجملة الخبريّة باللفظ من قبيل ( بعت ) فأيضا يختلف المدلول التصوّري بينهما تبعا لاختلاف الوعاء. فإنّ وعاء الإنشاء هنا هو الاعتبار ، بينما وعاء الإخبار هو قصد الحكاية مع كونهما نسبة تصادقيّة تامّة.
إلا أنّ النسبة التصادقيّة في الجملة الخبريّة متحقّقة في عالم الواقع الخارجي ، وهي تتناسب مع قصد الحكاية والإخبار. بينما النسبة التصادقيّة في الجملة الإنشائيّة متحقّقة في عالم الاعتبار ، وتحقّقها في الخارج يكون بلحاظ مقصوده ومراده وحالة مترقّبة.
وهكذا تكون النسبة في الجملة الخبريّة نسبة تامّة تصادقيّة منظورا إليها بما هي مفروغ عن تحقّقها وثبوتها في وعاء الواقع الخارجي. بينما تكون النسبة في الجملة الإنشائيّة نسبة تامّة تصادقيّة منظورا إليها بما هي نسبة يراد تحقيقها في عالم الواقع الخارجي ، وإن كانت الآن متحقّقة في عالم الاعتبار والجعل فقط ، ولكن ينظر إليها بما هي في طور التحقّق والثبوت الخارجي.