الاستدلال بهما على المطلوب باطلا : أمّا المصادرة فواضح ؛ لأنّه يلزم من الاستدلال بالشيء على نفسه الدور والخلف والتقدّم والتأخّر ؛ لكون المدّعى مأخوذا دليلا على نفسه ، وهذا واضح البطلان (١).
__________________
(١) وأمّا الشبيه بالمصادرة فبطلان الاستدلال به على المطلوب من وجوه :
الأوّل : ما ذكره السيّد الشهيد من قاعدة الفرعيّة وهي القاعدة القائلة : إنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له أوّلا. وهنا عند ما نثبت التمايز بين العلوم للموضوعات فهذا يلزم منه ثبوت الموضوع أوّلا ، ثمّ يتفرّع عنه كون التمايز به. فما لم يثبت الموضوع في مرحلة متقدّمة فلا معنى للكلام عن التمايز بين العلوم بالموضوعات ؛ إذ لعلّه لا يوجد موضوع للعلم ومع عدم وجوده لا محصّل للكلام عن كون التمايز بالموضوعات ؛ إذ لعلّه شيء آخر كالغرض والغاية ونحو ذلك. فلا بدّ من إثبات الموضوع ثمّ ينتقل إلى الحديث عن كون التمايز به أو بغيره ، فيعود الكلام إلى أصل وجود الموضوع وهو غير متحقّق بعد. فهذا وجه بطلان الاستدلال بلازم الشيء على الشيء نفسه والذي هو المسمّى بالشبيه بالمصادرة.
الثاني : هناك مرتبة طوليّة بين الموضوع وبين التمايز بالموضوع ، والثاني في المرتبة الثانية لا يتحقّق إلا بعد تحقّق الأوّل فما لم تتحقّق المرتبة الأولى يلغو الكلام عن المرتبة الثانية ، إذ الحديث عن المرتبة الثانية وهي تقتضي التسليم بوجود المرتبة الأولى ، ومع التسليم بوجودها لا معنى للاستدلال عليها وعلى وجودها ؛ إذ هو تحصيل الحاصل حينئذ. ومع عدم وجود المرتبة الأولى لا وجود للمرتبة الثانية أيضا ، فكيف يستدلّ بشيء معدوم على وجود شيء؟! وهذا واضح البطلان.
الثالث : أنّه يوجد فرق بين مفاد كان التامّة وبين مفاد الناقصة ؛ لأنّ الأولى تثبت أصل وجود الشيء في مقابل عدمه ، والثانية تثبت وجود صفة وحكم لهذا الشيء الثابت والموجود في مقابل عدم ثبوت هذا الحكم أو الوصف ، وأمّا أصل وجود الشيء فهو مفروغ عنه ومتحقّق في مرحلة سابقة. وهذا معناه أنّ مفاد ( كان ) الناقصة قد أخذ فيه الفراغ عن ثبوت الشيء مقابل عدمه ، وهنا كون التمايز بين العلوم بالموضوعات يثبت صفة التمييز إلى الموضوع والذي هو مفاد ( كان ) الناقصة ، والذي معناه كما ذكرنا الفراغ عن ثبوت الموضوع في مرحلة سابقة ، فلا معنى لإثبات وجود الموضوع بمفاد ( كان ) الناقصة ؛ لأنّ إثبات وجوده بها معناه أنّه لم يكن ثابتا قبل ذلك ، وهذا خلف ماهيّة وحقيقة كان الناقصة ، فيلزم منه التقدّم والتأخّر والخلف أو الدور ، والجميع باطل.
الرابع : أنّ الأحكام السلبيّة يجوز إسنادها إلى موضوع معدوم وإلى موضوع موجود ، وأمّا الأحكام الإيجابيّة فلا يجوز إسنادها إلا إلى موضوع موجود ، وهنا ثبوت التمايز بين العلوم إلى الموضوعات حكم إيجابي وصفة وجوديّة للموضوع. وهذا معناه لزوم كون الموضوع ..