مثال ذلك : الجملة الشرطيّة ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) ، فإنّ ظاهرها الأوّلي كون الشرط وهو المجيء قيدا لهيئة الجزاء ( أكرمه ) ، وحيث إنّ مفاد هيئة الجزاء ومدلولها وهو الوجوب أو الطلب معنى حرفي وهو خاصّ وجزئي فيأتي المحذور والإشكال ، إذ كيف يمكن أن يكون الوجوب أو الطلب الملحوظ بنحو المعنى الحرفي وهو الخاص ، والجزئي مقيّدا بالمجيء؟ مع أنّ كونه معنى حرفيّا معناه أنّه غير قابل للإطلاق ولا للتقييد ، فيكون هذا الظاهر الأوّلي من الجملة غير ممكن وفيه المحذور المذكور ، ولذلك كان لا بدّ من التأويل بالنحو التالي :
ولكن حيث يستحيل التقييد في المعاني الحرفيّة فلا بدّ من إرجاع الشرط إلى متعلّق الوجوب لا إلى الوجوب نفسه ، فيكون الوجوب مطلقا ومتعلّقه مقيّدا بزمان المجيء على نحو الواجب المعلّق ، الذي تقدّم الحديث عن تصويره في الحلقة السابقة (١).
وحلّ الإشكال أن نلتزم بالتأويل فنقول : إنّه حيث كان التقييد مستحيلا في المعاني الحرفيّة لكونها خاصّة وجزئيّة ومفهومها ضيّق ولا معنى لتضييق الضيّق في نفسه ، فنقول : إنّ هذا القيد وهو الشرط الذي بظاهره راجع إلى مدلول الهيئة وهو الوجوب لا بدّ من رفع اليد عنه ، وارجاعه إلى متعلّق الوجوب ، أي إلى الواجب والذي هو المادّة التي ركّبت فيها الهيئة أي الإكرام في المثال المذكور.
وحينئذ نقول : إنّ الوجوب الذي هو معنى حرفي ليس مقيّدا بالمجيء ، بل هو مطلق من هذه الناحية ، وإنّما المقيّد هو متعلّق الوجوب أي المادّة والواجب ، فيكون الإكرام الذي هو الواجب مقيّدا بزمان المجيء ؛ لأنّ الإكرام مفهوم اسمي كلّي واسع قابل التحصيص ، فإنّه يتحقّق مع المجيء وبدونه فيكون المطلوب هو الإكرام في زمان المجيء لا الإكرام مطلقا ، أي حصّة خاصّة من الإكرام لا مطلق الإكرام.
وبهذا يكون هذا التأويل من قبيل الواجب المعلّق لا الوجوب المشروط ، وقد تقدّم في الحلقة السابقة تصوير الواجب المعلّق وملخّصه : أن يكون القيد أو الشرط راجعا إلى المادّة ، والواجب كما في شرطيّة الطهارة في الصلاة ، فإنّ الطهارة شرط في الصلاة لا في وجوبها ، ولذلك يجب تحصيله ويكون في ذمّة المكلّف بخلاف
__________________
(١) في بحث الدليل العقلي ، تحت عنوان : زمان الوجوب والواجب.