والآخر : أنّ التمايز بين العلوم إن كان بالموضوع فلا بدّ من موضوع لكلّ علم إذا : لكي يحصل التمايز. وإن كان بالغرض على أساس أنّ لكلّ علم غرضا يختلف عن الغرض من العلم الآخر ، فحيث إنّ الغرض من كلّ علم واحد والواحد لا يصدر إلا من واحد فلا بدّ من افتراض مؤثّر واحد في ذلك الغرض ، ولمّا كانت مسائل العلم متعدّدة ومتغايرة فيستحيل أن تكون هي المؤثّرة بما هي كثيرة في الغرض الواحد ، بل يتعيّن أن تكون مؤثّرة بما هي مصاديق لأمر واحد.
وهذا يعني فرض قضيّة كلّيّة تكون بموضوعها جامعة بين الموضوعات وبمحمولها جامعة بين المحمولات للمسائل ، وهذه القضيّة الكلّيّة هي المؤثّرة ، وبذلك يثبت أنّ لكلّ علم موضوعا ، وهو موضوع تلك القضيّة الكلّيّة فيه (١).
الدليل الثاني : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) للاستدلال على وجود الموضوع :
فتارة نقول بمقالة المشهور : من أنّ التمايز بين العلوم بالموضوعات ، فيلزم وجود موضوع إذن ؛ لكي يحصل التمايز المذكور فيكون المطلوب حاصلا ، إلا أنّ هذا الافتراض غير صحيح كما تقدّم آنفا. فلا بدّ من فرض كون التمايز بين العلوم متحقّقا بشيء آخر غير الموضوع.
وأخرى نقول : إنّ التمايز بين العلوم بلحاظ الأغراض فلكلّ علم غرض مختلف عن الآخر ، وعلى هذا الافتراض يمكننا إثبات وجود موضوع العلم ، وهذا الدليل مركّب من مقدّمتين ونتيجة :
__________________
... موجودا وإلا لم يصحّ الحكم الإيجابي بالتمايز عليه ، ومع الفراغ عن وجود الموضوع طبقا لهذا فلا داعي للاستدلال على ما هو موجود لإثبات وجوده ؛ إذ ليس هذا إلا اللغو الباطل وتحصيل الحاصل.
وبهذا كلّه يتضح أنّ هذا الدليل غير تامّ. مضافا إلى الإشكال الذي ذكره صاحب ( الكفاية ) وإن كان غير تامّ كما هو الصحيح من أنّ التمايز بالموضوعات يستلزم تكثّر العلوم ؛ لأنّ كلّ باب بل كلّ مسألة لها موضوع مختلف عنه في الباب والمسألة الأخرى ، مع أنّه لا يقول أحد بأنّ باب الفاعل علم مستقلّ في مقابل باب المفعول رغم كونهما من حيث الموضوع والمحمول مختلفين ، حيث يقال : الفاعل مرفوع ، والمفعول منصوب.
(١) تجد خلاصة هذا البيان مع الإيراد عليه في ألسنة جملة من الأصوليّين ، منهم المحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية ١ : ٣٤ ، والسيّد الخوئي في هامش كتاب أجود التقريرات ١ : ٤.