المقدّمة الأولى : على افتراض أنّ التمايز بين العلوم إنّما هو بلحاظ الغرض ، حيث إنّ لكلّ علم غرضا مستقلا عن الغرض من العلم الآخر ، فهنا حيث إنّ مفهوم الغرض مفهوم واحد وبسيط فلا بدّ من فرض مؤثّر في هذا الغرض ، وهذا المؤثّر في الغرض هو موضوع العلم.
المقدّمة الثانية : وفقا للقاعدة الفلسفيّة القائلة : بأنّ ( الواحد لا يصدر إلا من واحد ). فلا بدّ من فرض المؤثّر في الغرض واحدا ؛ لأنّ الغرض واحد أيضا وهو لا يصدر إلا من واحد.
والنتيجة ـ بناء على هاتين المقدّمتين ـ : أنّ المؤثّر في الغرض ـ والذي قد فرض كونه واحدا نظرا إلى وحدة الغرض نفسه ـ إذا فرضناه نفس مسائل العلم لم تتمّ المقدّمة الثانية ؛ لأنّ مسائل العلم متعدّدة ومتكثرة فكيف يصدر عن الكثير بما هو كثير واحد بسيط وهو الغرض ، بحيث تكون هذه المسائل هي المؤثّرة فيه؟! فيلزم من هذا الغرض مخالفة القاعدة الفلسفيّة التي هي المقدّمة الثانية من هذا الدليل ، فهذا الفرض باطل ومستحيل.
فيلزم أن نفرض وجود قضيّة كليّة مؤلّفة من موضوع ومحمول هي المؤثّرة في الغرض ؛ لأنّها واحدة فيصدر منها الواحد. وهذه القضيّة الكليّة من حيث الموضوع جامعة بين موضوعات المسائل ، ومن حيث محمولها جامعة بين محمولات المسائل ، فتكون هذه القضيّة الكلّيّة المفروضة والتي موضوعها جامع بين موضوعات المسائل هي المؤثّرة في الغرض بلحاظ موضوعها. وهذا يعني أنّ تلك المسائل المتكثّرة قد أثّرت في الغرض ولكن لا بوصف كونها كثيرة ، بل بلحاظ كونها مصاديق وأفرادا لذلك الموضوع الكلّي الجامع لها. فالمؤثّر في الغرض هو القضيّة الكليّة أوّلا وبالذات ، ثمّ المسائل المتعدّدة ثانيا ، وبالعرض باعتبارها مصاديق وتعيّنات لموضوع القضيّة الكلّيّة ، وبهذا يثبت كون المؤثّر في الغرض أمرا واحدا هو القضيّة الكلّيّة.
ثمّ إذا نظرنا إلى موضوع تلك القضيّة الكليّة نجده جامعا بين موضوعات مسائل العلم ، ولا يقصد من الموضوع المراد إثباته أكثر من ذلك. فثبت بهذا الدليل وجود موضوع لكلّ علم ، وهذا الموضوع هو الموضوع الكلّي الجامع بين موضوعات مسائل العلم الواقع موضوعا للقضيّة الكليّة المفروضة والتي أثّرت في الغرض. وبهذا يتّضح أنّه