والصحيح : هو القول الثالث دون الأوّلين ؛ وذلك لأنّ الإطلاق نريد به الخصوصيّة التي تقتضي صلاحيّة المفهوم للانطباق على جميع الأفراد ، وهذه الخصوصيّة يكفي فيها مجرّد عدم لحاظ أخذ القيد الذي هو نقيض للتقييد.
الصحيح من بين الأقوال الثلاثة هو القول الثالث ، أي أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد بنحو التناقض ، فالتقييد هو لحاظ القيد بينما الإطلاق هو عدم لحاظ القيد في كلّ الحالات.
والدليل على ذلك هو أنّ الإطلاق يراد به شمول المفهوم لكلّ الأفراد التي يصلح الانطباق عليها ، فعند ما يقال : إنّ هذا المفهوم مطلق معناه أنّ هذا المفهوم له صلاحيّة الانطباق والشمول لكلّ الأفراد التي تصلح للدخول تحت المفهوم ، فيكون الإطلاق على هذا يشتمل على خصوصيّة تفيد العموم والشمول لكلّ الأفراد.
وهذه الخصوصيّة المفيدة للإطلاق يكفي في تحقّقها ألاّ يلاحظ شيء أو قيد زائد على المفهوم والماهيّة.
فمثلا الإنسان عند ما يكون مطلقا أي شاملا لكلّ الأفراد التي ينطبق عليها ماهيّة الإنسان يكفي لثبوت الإطلاق ألاّ يلاحظ شيء آخر أو قيد زائد على ماهيّة الإنسان بأن تلاحظ الماهيّة فقط ولا يلحظ القيد ، وهذا معناه أنّه يكفي في الخصوصيّة التي يتميّز بها الإطلاق عدم لحاظ القيد مع الماهيّة ، وعدم لحاظ القيد مفهوم مناقض للتقييد الذي هو لحاظ القيد ، فكانت النسبة بينهما هي التناقض ويدلّ على ذلك أيضا :
لأنّ كلّ مفهوم له قابليّة ذاتيّة للانطباق على كلّ فرد يحفظ فيه ذلك المفهوم ، وهذه القابليّة تجعله صالحا لإسراء الحكم الثابت له إلى أفراده شموليّا أو بدليّا.
إنّ كلّ مفهوم له قابلية وصلاحيّة لأن ينطبق ويشمل كلّ الأفراد التي تتضمّن وتحفظ هذا المفهوم ، بمعنى أنّ كلّ فرد ومصداق يكون واجدا ومتضمّنا وحافظا لهذا المفهوم ، فالمفهوم يشمله ويصلح للانطباق عليه ، وهذه القابليّة ذاتيّة للمفهوم لا تنفكّ عنه.
فالإنسان مثلا كمفهوم له صلاحيّة الانطباق على كلّ الأفراد والمصاديق الخارجيّة التي تحفظ فيها الحيوانيّة الناطقيّة ، ولذلك فهو يشمل الإنسان العالم والجاهل على حدّ سواء ؛ لأنّ كلاّ منهما يحفظ مفهوم الإنسان ويتضمّن ماهيّته.