فهنا لا بدّ للدلالة على التقييد والكشف عنها من ذكر القيد ، بينما يكفي في الدلالة على الإطلاق والكشف عنه عدم ذكر القيد.
وهنا تختلف نسبة التقابل بين الإطلاق والتقييد الإثباتيّين عن الثبوتيّين ؛ لأنّ الإثباتيّين يرتبطان بعالم الدلالة والكاشفيّة والتي مردّها إلى ظهور حال المتكلّم لمعرفة مراده الجدّي من كلامه ، وأنّه هل يريد جدّا الإطلاق أو أنّه يريد جدّا التقييد؟ ولذلك نقول :
فإنّ مردّ التقابل بين الإطلاق الإثباتي والتقييد المقابل له إلى تقابل العدم والملكة ، فعدم ذكر القيد إنّما يكشف عن الإطلاق في حالة يمكن فيها للمتكلّم ذكر القيد. كما مرّ في الحلقة السابقة (١).
إنّ الإطلاق والتقيد الإثباتيّين مردّهما إلى عالم الكشف والدلالة عن المراد الجدّي للمتكلّم. والمراد الجدّي لكلّ متكلّم يرتبط بظهور حاله وأنّه في مقام البيان والتفهيم لتمام مراده الجدّي في شخص كلامه.
وحينئذ نقول : إنّ المتكلّم إن ذكر القيد في كلامه فيكشف هذا عن كونه مريدا للتقييد ثبوتا ؛ لأنّ عالم الإثبات يكشف ويدلّ على عالم الثبوت.
وأمّا إذا لم يذكر القيد فعدم ذكر القيد يكون كاشفا ودالاّ على أنّه لا يريد التقييد جدّا ، وأنّه ثبوتا لم يلاحظ القيد ، وهذا يعني أنّه أراد الإطلاق.
إلا أنّ هذا متوقّف على أن يكون المتكلّم قادرا على ذكر القيد ومع ذلك لم يذكره فيدلّ ويكشف عدم ذكره على الإطلاق ، وأمّا إذا لم يكن قادرا على ذكر القيد لوجود محذور ( كالاستحالة مثلا ) فهنا لا يكشف عدم ذكره للقيد عن كونه لا يريد التقييد جدّا وثبوتا ؛ إذ من المحتمل أنّه يريد التقييد ثبوتا وجدّا ولكنّه لم يذكر القيد لعدم إمكان ذلك.
وبهذا يظهر أنّ الكاشف عن التقييد إنّما يكون بذكر القيد ، وأمّا الكاشف عن الإطلاق فهو عدم ذكر القيد في الحالة التي يمكن فيها ذكر القيد ومع ذلك لم يذكره. وهذا يعني أنّ الإطلاق هو عدم ذكر القيد في الموضع القابل للتقييد. وهذا يعني أنّ التقابل بينهما تقابل الملكة والعدم.
__________________
(١) في بحث الإطلاق ، تحت عنوان : التقابل بين الإطلاق والتقييد.