احترازيّة القيود وقرينة الحكمة
قد يقول المولى : ( أكرم الفقير العادل ) ، وقد يقول : ( أكرم الفقير ) ، ففي الحالة الأولى يكون موضوع الحكم في مرحلة المدلول التصوّري للكلام حصّة خاصّة من الفقير ، أي الفقير العادل. وبحكم الدلالة التصديقيّة الأولى نثبت أنّ المتكلّم قد استعمل الكلام لإخطار صورة حكم متعلّق بالحصّة الخاصّة ، وبحكم الدلالة التصديقيّة الثانية نثبت أنّ المولى جادّ في هذا الكلام ، بمعنى أنّ هذا الحكم مجعول وثابت في نفسه حقيقة وليس هازلا.
تقدّم في الحلقة السابقة أنّ هناك ثلاث دلالات للكلام :
الأولى : مرحلة الدلالة التصوّريّة ، وهي الصورة الذهنيّة التي تخطر في الذهن عند وجود اللفظ مطلقا.
الثانية : مرحلة الدلالة الاستعماليّة أو التصديقيّة الأولى ، وهي أنّ المتكلّم قد أراد استعمال اللفظ في هذا المعنى أي في الصورة الذهنيّة التي أخطرها اللفظ في الذهن.
الثالثة : مرحلة الدلالة الجدّيّة أو التصديقيّة الثانية ، وهي أنّ المتكلّم أراد جدّا إخطار هذا المعنى في الذهن ، فهو مراد له جدّا لا هزلا أو تقيّة.
والأصل هو أن تتطابق هذه الدلالات الثلاث فيما بينها فما يخطره في الذهن فيكون مراده استعمالا وجدّا ، إلا إذا نصب قرينة على خلاف ذلك.
بعد ذلك نقول : إنّ المتكلّم أو الشارع عند ما يتصوّر موضوع حكمه إمّا أن يتصوّره مطلقا ، أو يتصوّره مقيّدا ؛ لما تقدّم سابقا من أنّ الإطلاق والتقييد الثبوتيين متقابلان تقابل النقيضين. ولذلك تارة يقول الشارع : ( أكرم الفقير العادل ) ، وأخرى يقول : ( أكرم الفقير ).
ففي الحالة الأولى : كان موضوع الحكم مركّبا من مفهومين مندمجين معا يؤلّفان