الدلالات الثلاث إيجابيّا ، بمعنى أنّ المدلول اللفظي للكلام ( والذي يتكوّن من مجموع الدلالتين التصوّريّة والتصديقيّة الأولى ) يتطابق مع المراد الجدّي الذي هو المدلول التصديقي ، والذي مرجعه إلى ظهور حال المتكلّم. وهذا التطابق إيجابيّ ؛ لأنّه يعتمد على ذكر القيد ووجوده لإثبات كونه مرادا جدّا.
بينما الظهور الذي يعتمد عليه الإطلاق وقرينة الحكمة مرجعه إلى أصالة التطابق بين الدلالات الثلاث سلبا ، بمعنى أنّ المدلول اللفظي المتكوّن من الدلالة التصوّريّة والدلالة التصديقيّة الأولى يتطابق سلبيّا مع المراد الجدّي الذي هو المدلول التصديقي الثاني ؛ لأنّ المدلول اللفظي يثبت أنّه لم يقل القيد ، فينتج أنّه لا يريده ، فكان هناك تطابق بالسلب بينهما.
والقدر المشترك بين الظهورين هو أنّهما يعتمدان على أصالة التطابق بين الدلالات الثلاث ، والاختلاف بينهما في كيفيّة التطابق سلبا وإيجابا.
ويلاحظ أنّ ظهور حال المتكلّم في التطابق الإيجابي ـ أي في أنّ ما يقوله يريده ـ أقوى من ظهور حاله في التطابق السلبي ؛ أي في أنّ ما لا يقوله لا يريده.
ومن هنا صحّ القول بأنّه متى ما تعارض المدلول اللفظي لكلام مع إطلاق كلام آخر قدّم المدلول اللفظي على الإطلاق وفقا لقواعد الجمع العرفي.
ويترتّب على الفارق المذكور ثمرة عمليّة وهي : أنّ الظهور الذي تعتمد عليه قاعدة احترازيّة القيود أقوى من الظهور الذي تعتمد عليه مقدّمات الحكمة ، ولذلك يتقدّم الظهور الأوّل على الظهور الثاني عند تعارضهما.
توضيح ذلك : أنّ ظهور قاعدة احترازيّة القيود كان التطابق الإيجابي بين الدلالات والذي كان مرجعها إلى ذكر ما يدلّ على القيد لفظا ، ومن الواضح أنّ ذكر القيد لفظا نصّ صريح في كونه مرادا للمتكلّم جدّا. بينما الظهور الذي يعتمد عليه الإطلاق ومقدّمات الحكمة كان التطابق السلبي بين الدلالات والذي مرجعه إلى عدم ذكر القيد والذي هو ظاهر في كونه غير مراد جدّا للمتكلّم.
وعليه ، فإذا تعارض النصّ مع الظاهر قدّم الأوّل على الثاني وفقا لقواعد الجمع العرفي عند التعارض غير المستقرّ كما سيأتي.
فمثلا إذا قيل : ( أكرم العالم ) كان ظاهره الإطلاق على أساس ذلك الظهور الحالي