بدليّا دائما ، وأمّا الشموليّة فتحتاج إلى ملاحظة الطبيعة سارية في جميع أفرادها ، وهي مئونة زائدة تحتاج إلى قرينة.
فمثلا إذا قيل : ( أكرم العالم ) جرت قرينة الحكمة لإثبات الإطلاق ، بمعنى أنّ موضوع الحكم هو ذات الطبيعة من دون قيد ، وإذا ثبت كون الطبيعة بذاتها هي موضوع الحكم فهذا معناه أنّه يجب الإكرام لذات العالم ، ومن المعلوم أنّ ذات العالم تتحقّق وتوجد بفرد من أفرادها فيتحقّق الامتثال بإكرام واحد من العالم. وهذا معنى ما يقال : إنّ الأصل في الإطلاق كونه بدليّا ، أي يكفي فرد واحد في تحقيق الامتثال.
وأمّا الشموليّة وكون الحكم متعدّدا بتعدّد الأفراد فهذا شيء زائد على وجوب إكرام الماهيّة ؛ لأنّه يعني إسراء الوجوب إلى الأفراد ، فلا بدّ إذا من إثبات أنّ هذا الحكم موضوعه الأفراد أيضا وهذا لا يكفي فيه قرينة الحكمة ؛ لأنّها لا تثبت أنّ الأفراد هي موضوع الحكم فلا بدّ من عناية إضافيّة زائدة لإثبات الشموليّة.
وبتعبير آخر : أنّ قرينة الحكمة تثبت الإطلاق بمعنى عدم القيود ، أي أنّ الماهيّة بذاتها مجرّدة عن القيود هي الموضوع ، والبدليّة هنا تعني أنّه يكفي إيجاد فرد واحد من أفراد الماهيّة ؛ لأنّ الماهيّة يكفي في تحقّقها فرد واحد من أفرادها.
وأمّا الشموليّة فهي تعني أنّ الحكم موضوعه ليس خصوص الماهيّة بذاتها ، بل الماهيّة بكل أفرادها أي الماهيّة مع كلّ القيود المتصوّرة فيها ، وهذا لا يثبت بالإطلاق ؛ لأنّه ينفي القيود لا أنّه يجمع القيود ، فتحتاج إلى عناية زائدة لإثبات أنّ الحكم على كلّ الأفراد (١).
الثالث : أن يقال ـ خلافا لذلك ـ : إنّ الماهيّة عند ما تلحظ بدون قيد وينصبّ عليها حكم إنّما ينصبّ عليها ذلك بما هي مرآة للخارج ، فيسري الحكم نتيجة
__________________
(١) وفيه : أنّه وقع خلط بين الإطلاق والعموم فالإطلاق الشمولي لا ينظر فيه إلى الأفراد بخلاف العموم. فإنّ الأفراد مدلول تصوّري لألفاظ العموم والمقصود من الإطلاق الشمولي : أنّ الحكم منصبّ على الماهيّة وهي متعلّق الحكم ، ولكن هذا الحكم ينحلّ إلى أحكام عديدة تبعا لكثرة أفراد الماهيّة في الخارج ، إلا أنّ هذه الأفراد ليست هي موضوع الحكم وإنّما هي مصداق موضوعه فقط.