وإن كان الحكم واحدا وقد تعلّق بالموضوع بنحو يكتفى بفرد من أفراده على نحو البدل ويكون امتثال الفرد الأوّل مجزيا عن غيره فالعموم بدلي.
وإن كان الحكم واحدا ولكنّه يقتضي الجمع بين أفراد الموضوع بحيث يكون الجميع بقوّة امتثال واحد ، فإذا أخلّ ببعضها لم يتحقّق الامتثال أصلا كان العموم مجموعيّا.
والحاصل : أنّ هذه الأقسام الثلاثة راجعة إلى كيفيّة لحاظ المولى لحكمه ، وهل هو حكم واحد على موضوع واحد أو هو حكم واحد على موضوع متعدّد بنحو يكون مجموع الأفراد موضوع الحكم ، أو هو أحكام متعدّدة بتعدّد أفراد الموضوع؟
وأمّا إذا لم يكن هناك حكم فهذه الصور الثلاث تفيد معنى واحدا ، وهو العموم بمعنى شمول المفهوم لكلّ ما يصلح أن ينطبق عليه من الأفراد.
ولكنّ الصحيح : أنّ هذا الانقسام يمكن افتراضه بقطع النظر عن ورود الحكم ؛ لوضوح الفرق بين التصوّرات التي تعطيها كلمات من قبيل ( جميع العلماء ) و ( أحد العلماء ) و ( مجموع العلماء ) ، حتّى لو لوحظت بما هي كلمات مفردة وبدون افتراض حكم ، فالاستغراقيّة والبدليّة والمجموعية تعبّر عن ثلاث صور ذهنيّة للعموم ينسجها ذهن المتكلّم وفقا لغرضه ؛ توطئة لجعل الحكم المناسب عليها.
إلا أنّ الصحيح هو أنّ هذه الأقسام الثلاثة إنّما هي تقسيمات للعموم نفسه ، سواء كان هناك حكم أم لا ، وليس مردّها إلى كيفيّة تعلّق الحكم ولحاظ المولى ، وذلك لوضوح الفرق بين الصور الذهنيّة التي تعطيها هذه الكلمات الثلاث الدالّة على الاستغراقيّة والبدليّة والمجموعيّة ، فإنّ ( جميع العلماء ) يدلّ على صورة ذهنيّة ، وهي كلّ أفراد العلماء تختلف عن الصورة الذهنيّة التي تعطيها كلمة ( مجموع العلماء ) ، فإنّها تدلّ على صفة معيّنة لهؤلاء الأفراد من العلماء وهي كونهم منضمّين ومجتمعين معا ، وتختلف عن الصورة الذهنيّة التي تعطيها كلمة ( أيّ عالم ) فإنّها تدلّ على فرد ما من أفراد العلماء غير معيّن ولا محدّد.
إذا هذه الصور الذهنيّة المختلفة موجودة في عالم الذهن قبل أن يطرأ الحكم على الموضوع ؛ لأنّ الحكم ينصبّ على الصورة الذهنيّة فيلزم أن تكون موجودة قبله لا بعده.