لأجزاء الجملة لا بدّ أن تكون مرتبطة فيما بينها. ففي المثال المذكور يكون المدلول التصوّري لوجوب الإكرام مرتبطا بالمدلول التصوّري لكلمة ( كلّ ) الدالّة تصوّرا ووضعا على العموم والاستيعاب ، وهي بدورها مرتبطة بالمدلول التصوّري لكلمة ( عالم ) الدالّة تصوّرا على ذات الماهيّة والطبيعة.
وعندئذ يكون في الذهن مدلولا تصوّريّا وصورة ذهنيّة مترابطة ، وهي وجوب الإكرام الشامل والمستوعب لكلّ أفراد ذات الماهيّة وطبيعة العالم.
فلو قلنا : إنّ الأداة موضوعة لاستيعاب ما يراد من المدخول ، كان معنى ذلك أنّ المدلول التصوّري لكلمة ( كلّ ) في المثال المذكور مرتبطا بالمدلول التصديقي والمراد الجدّي لكلمة ( عالم ) ، وهذا معناه التفكيك بين المدلولات التصوريّة لأجزاء الكلام الواحد ، ويلزم منه ألاّ يكون في الذهن صورة مترابطة فيما بينها قصد المتكلّم إحضارها وإخطارها في ذهنه وذهن السامع. وهذا واضح البطلان ؛ لأنّه يلغي المدلول التصوّري والمدلول الاستعمالي للكلام.
وبتعبير آخر : أنّ المدلول التصوّري للأداة ليس مرتبطا بالمدلول التصوّري للمدخول بناء على هذا الغرض ؛ لأنّ المدلول التصوّري للمدخول غير معيّن الآن وإنّما يتعيّن في مرحلة المدلول التصديقي والمراد الجدّي ؛ لتوقّفه على قرينة الحكمة ، فيلزم أيضا أن يكون المدلول التصوّري للأداة غير معيّن أيضا ، وهذا معناه أنّه تصوّرا لا يوجد معنى معيّن قصد المتكلّم إحضاره وإخطاره. وهذا بديهي البطلان ؛ لوضوح أنّ المتكلّم يستعمل اللفظ للدلالة على المعنى الموضوع له ويستعمله فيه كذلك ؛ لشهادة الوجدان بذلك.
فكان هذا الاحتمال مخالفا للوجدان العرفي واللغوي من كون الكلام الواحد مترابط الأجزاء تصوّرا واستعمالا ، ويكون كلّ مدلول من أجزائه تصوّرا واستعمالا مرتبطا بالمدلول التصوّري والاستعمالي للجزء الآخر ، وبعد ذلك يتحدّد المراد الجدّي من الكلام.
ولا شكّ في أنّ للأداة مدلولا تصوّريّا محفوظا حتّى لو خلا الكلام الذي وردت فيه من المدلول التصديقي نهائيّا ، كما في حالات الهزل ، فكيف يناط مدلولها الوضعي بالمدلول التصديقي؟!