والتشخص للطبيعة والجنس والماهيّة ، ومن المعلوم أن الماهيّة والطبيعة متعيّنة ومتشخّصة ومتميّزة عن غيرها من الماهيّات والطبائع والأجناس بما هي صورة ذهنيّة ومفهوم.
فإنّ طبيعة ( العالم ) في المثال مشخّصة ومتعيّنة ذهنا ومفهوما عن غيرها من الصور الذهنيّة ؛ لأنّ مفهوم العالم يختلف عن مفهوم العادل والجاهل والحيوان ونحو ذلك فإذا يكفي في حصول التعيّن للجنس والطبيعة أن تكون متعيّنة ذهنا ومفهوما.
وبعد تعيّنها كذلك يستفاد الشموليّة والاستيعاب بعد إجراء الإطلاق وقرينة الحكمة ، بحيث يثبت أنّ الطبيعة لم يؤخذ معها قيد ، وبالتالي فهي تنطبق على كلّ فرد يتضمّنها ويحفظ المفهوم فيها ، وهو معنى الشمول والعموم لكلّ الأفراد.
فالتعيّن الذهني للطبيعة بما هي كمفهوم لا يستفاد منها العموم والشمول ؛ لأنّ الطبيعة كذلك تصدق على فرد واحد من أفرادها ، فلكي يثبت الشمول والاستيعاب لكلّ الأفراد لا بدّ من توسّط قرينة الحكمة.
وإذا كان مدخولها الجمع فلا بدّ من فرض التعيّن في الجمع ، ولا يكفي التعيّن الذهني للطبيعة المدلولة لمادّة الجمع.
وإذا دخلت ( اللام ) على الجمع كقولنا : ( أكرم العلماء ) كانت مفيدة للتعيّن أيضا ، إلا أنّ هذا التعيّن ليس للماهيّة والطبيعة وإنّما التعيّن في الجمع.
والوجه في ذلك هو : أنّ مدخول ( اللام ) هنا هو الجمع ، والمفروض أنّ ( اللام ) موضوعة لغة لتعيّن المدخول ، فإذا لا بدّ من فرض التعيّن للجمع ؛ لأنّه المدخول.
وأمّا تعيّن الماهيّة والطبيعة المدلول عليها بالمادّة من قبيل ( العالم ) في مثالنا ، فهذا التعيّن في الماهيّة لا يكفي ولا يغني عن التعيّن في الجمع ؛ وذلك للمنافاة بينهما ، فإن التعيّن في الماهيّة تقدّم أنّه يكفي فيه التشخّص والتعيّن الذهني وهو يتحقّق بالفرد الأوّل منه ؛ لأنّ الماهيّة ذاتها توجد بفرد من أفرادها ، بينما التعيّن في الجمع لا يكفي فيه أقلّ من ثلاثة ؛ لأنّ أقلّ مراتب الجمع هي الثلاثة ، ولذلك لا يكفي في تعيّن المدخول الذي هو الجمع أن يكون هناك تعيّن للماهيّة والطبيعة.
وحينئذ فلا بدّ أن نفرض التعيّن في مرتبة من مراتب الجمع يتحقّق فيها التشخّص والتميّز والتعيّن. وعليه ، فلا بدّ من التفتيش عن تلك المرتبة من الجمع التي يتمّ فيها التعيّن والتميّز عن غيرها ، ولذلك نقول :