وتعيّن الجمع بما هو جمع إنّما يكون بتحدّد الأفراد الداخلة فيه ، وهذا التحدّد لا يحصل إلا مع إرادة المرتبة الأخيرة من الجمع المساوقة للعموم ؛ لأنّ أية مرتبة أخرى لا يتميّز فيها ـ من ناحية اللفظ ـ الفرد الداخل عن الخارج.
التعيّن المقصود من الجمع هو تحديد الأفراد الداخلة في الجمع عن الأفراد الخارجة ، فقولنا : ( أكرم العلماء ) تدلّ ( اللام ) على التعيّن في الجمع ، وهذا التعيّن في العلماء لا يتمّ إلا إذا حدّدت الأفراد الداخلة فيه من الأفراد الخارجة عنه.
وليس المقصود من التعيّن في الجمع تحديد مرتبة وعدد معيّن من الجمع كما قال صاحب ( الكفاية ) : ليقال : إنّ كلّ مرتبة من مراتب الجمع متعيّنة بنفسها كصورة ذهنيّة ومفهوم ، حيث إنّ الثلاثة مرتبة من الجمع وهكذا في الأربعة والخمسة إلى آخره. وكلّ واحدة من هذه المراتب لها تعيّن في نفسها ؛ لأنّها صورة ومفهوم يختلف عن الصورة والمفهوم في المرتبة الأخرى ، فيكون التعيّن في الجمع على هذا هو المرتبة الدنيا من الجمع ؛ لأنّها المرتبة التي لا شكّ في انطباق الجمع عليها.
وإنّما المقصود من التعيّن ما ذكرناه من تحديد الأفراد الداخلة وتمييزها عن الأفراد الخارجيّة. وهذا لا يكفي فيه التحدّد في المرتبة ؛ لأنّ كلّ مرتبة وإن كانت متعيّنة ومحدّدة في نفسها إلا أنّه لا يعلم الأفراد الداخلة فيها ؛ لأنّ كلّ مرتبة كالثلاثة والأربعة صالحة للانطباق على هذه الثلاثة وعلى تلك ، وهكذا.
وعليه ، فلا يحصل التعيّن والتحدّد في الجمع في عالم الصدق الخارجي وإن كان متحقّقا في عالم الذهن والمفهوم والصورة ، وحيث إنّ المطلوب من المفهوم أن يكون حاكيا عن الخارج فلا بدّ من فرض التعيّن والتحديد في الخارج لا في الذهن فقط.
والتعيّن للأفراد في الخارج لا يعلم ولا يتحقّق إلا إذا أريد من الجمع المرتبة العليا والأخيرة منه ، وهي المرتبة التي تكون فيها كلّ الأفراد داخلة في المدخول والطبيعة ؛ لأنّه إذا أريد هذه المرتبة من الجمع كان معناه أنّ كلّ فرد فرد من أفراد المدخول داخلا في هذا الجمع ومرادا في الصورة الذهنيّة ، وهذا يساوق العموم ؛ لأنّ العموم معناه الاستيعاب لكلّ الأفراد التي يصلح المدخول للانطباق عليها.
وأمّا المراتب الأخرى من الجمع كالثلاثة والأربعة وغيرهما فلا تفيد التعيّن