وما قيل سابقا (١) من أنّه لا تنافي بين الحكم الواقعي والظاهري ؛ لأنّهما سنخان ، مجرّد كلام صوري إذا لم يعط مضمونا محدّدا ؛ لأنّ مجرّد تسمية هذا بالواقعي وهذا بالظاهري لا يخرجهما عن كونهما حكمين من الأحكام التكليفيّة وهي متضادّة.
هذا جواب عن الشبهة وردّه :
أمّا الجواب ، فقد قال الشيخ الأنصاري وتلميذه الشيرازي : إنّ هذه الشبهة تندفع بأن يقال : إنّه لا مانع من اجتماع حكمين متضادّين أو متماثلين أحدهما واقعي والآخر ظاهري ؛ وذلك لأنّ كلاّ منهما له سنخيّة تختلف عن الآخر. فإذا كانت لكلّ منهما سنخيّة غير الأخرى فهذا يعني اختلاف الجهة في الحكمين المتضادّين أو المتماثلين فلا استحالة. وهذه السنخيّة هي أنّ الحكم الواقعي لم يؤخذ في موضوعه الشكّ بينما الحكم الظاهري قد أخذ في موضوعه الشكّ في حكم مسبق ، وهذا يعني الطوليّة بين الحكمين فلم يكن هناك اجتماع بينهما ؛ لأنّه عند تحقّق الحكم الواقعي يرتفع موضوع الحكم الظاهري ، وعند تحقّق موضوع الحكم الظاهري لا تحقّق للحكم الواقعي ، فإذا وجد أحدهما ارتفع الآخر ولا يمكن اجتماعهما في رتبة واحدة. وأمّا الردّ فهو أنّ هذا الكلام مجرّد كلام صوري وشكلي ؛ لأنّه لم يحاول أن يبيّن حقيقة الحكمين الواقعي والظاهري ، وإنّما فرّق بينهما بلحاظ السنخيّة المذكورة وهذه ليست إلاّ مجرّد تسمية ، وهي لا تحلّ الإشكال ؛ لأنّ تسمية هذا الحكم بالواقعي وذاك بالظاهري لا يرفع غائلة اجتماع الضدّين أو المثلين ؛ وذلك لأنّهما لا يخرجان عن كونهما حكمين من الأحكام التكليفيّة ، وقد تقدّم أنّها متضادّة يستحيل اجتماعها (٢) في مورد واحد ، وبهذا
__________________
(١) في الحلقة الثانية من هذا الكتاب ضمن مباحث التمهيد ، تحت عنوان : اجتماع الحكم الواقعي والظاهري.
(٢) واجتماعهما يكون بلحاظ ثبوت الحكم الواقعي سواء علم المكلّف به أم لا ، ممّا يعني أنّ ..... وصول الحكم الظاهري سواء كان مطابقا أم مغايرا للحكم الظاهري سوف يؤدّي إلى التضاد أو التماثل. وما قيل : من أنّه إذا تحقّق موضوع أحدهما ارتفع موضوع الآخر ناظر إلى مرحلة الفعليّة والتنجيز بالنسبة للمكلّف ، وليس ناظرا إلى الواقع ؛ لأنّ الحكم الواقعي لا يرتفع بوصول الحكم الظاهري إلى المكلّف وإلا كان تصويبا باطلا كما لا يخفى. كما أنّه في حالة اجتماع المثلين لا يكون الثاني مؤكّدا للأوّل ؛ لأنّها إمّا أن توجد أو لا ، فإذا وجدت كانت كاملة وتامّة من جميع الجهات ولا تحتاج لشيء زائد فيكون التأكيد لغوا لكونه تحصيلا للحاصل.