ولو حملت نفسي على ركوب الموت لركبته ، ولقد علم من حضر ، ومن غاب من أصحاب محمد صلوات الله عليه وآله إن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة من الماء في اليوم الحار من ذي العطش الصديّ (١) ولقد كنت عاهدت الله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي عبيدة (٢) على ذلك لله ولرسوله ، فتقدموني وبقيت أنتظر أجلي ، فأنزل الله عزّ وجلّ فينا : « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » (٣).
وما أسكتني عن ابن عفان إلا أني علمت أن أخلاقه فيما اخبرت عنه ما لا تدعه حتى تستدعي الأقارب فضلا عن الأباعد الى خلعه وقتله ، فصبرت حتى كان ذلك ، ولم أنطق فيه بحرف من لا ، ولا نعم.
ثم أتاني الأمر ـ علم الله ـ وأنا له كاره لمعرفتي بالناس وبما يطمعون فيه مما قد عوّدوه ، وأن ذلك ليس لهم عندي ، فكان ذلك كذلك.
(٤) واتاني فيه من أتاني فلما لم يجدوه عندي وثبوا المرأة عليّ ، وأنا وليّ أمرها ، والوصي عليها ، فحملوها على الجمل ، وشدوها على الرحل ، واقبلوا بها تخبط الفيافي (٥) وتقطع الصحاري ، وتنبحها كلاب الحوأب وتظهر فيها علامات الندم ـ في كل ساعة ، وعند كل حالة ـ في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم لي في حياة رسول الله صلوات الله عليه وآله أولا ،
__________________
(١) وفي نسخة ـ ب ـ عند ذي العطش الصادي.
(٢) وهو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في غزوة بدر كما سيأتي.
(٣) الأحزاب ٢٣.
(٤) وهنا يبدأ الموطن الخامس.
(٥) خبط البعير الارض بيده خبطا : ضربها. والفيافي جمع الفيفي والفيفاء : المغازة التي لا ماء فيها والمكان المستوي.