حتى أتوا بها بلدة قليلة عقولهم وعارية آراؤهم.
فوقفت من أمرهم على اثنتين (١) ـ كلاهما فيهما المكروه ـ : إن كففت لم يرجعوا ، وإن أقدمت كنت قد صرت الى الذي كرهته ، فقدمت الحجة في الإعذار والإنذار ، ودعوت المرأة الى الرجوع الى بيتها ، والقوم الذين حملوها على الذي حملوها عليه الى الوفاء ببيعتهم والترك لنقضهم عهدا لله وأعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه منها ، وناظرت بعضهم فانصرف (٢) ، وذكرته فذكر.
ثم أقبلت على الباقين بمثل ذلك فما ازدادوا إلا جهلا ، وتماديا ، وعتوا وأبوا إلا ما صاروا إليه ، وكانت عليهم الدائرة (٣) والكرة وحلّت بهم الهزيمة والحسرة وفيهم الفناء. وحملت نفسي على التي لم أجد منها بدّا ، ولم يسعني إذ تقلدت الأمر آخرا مثل الذي وسعني فيه أولا من الإغضاء والإمساك.
ورأيت أني إن أمسكت كنت معينا لهم على ما صاروا إليه بإمساكي ، وما طمعوا فيه من تناول الأطراف وسفك الدماء وهلاك الرعية وتحكيم النساء الناقصات العقول على الرجال كعادة بني الأصفر (٤) ومن مضى من ملوك سباء (٥) والامم الخالية. فأصير الى ما
__________________
(١) وفي الأصل : من امورهم على اثنتين.
(٢) إشارة الى الزبير بن العوام ، راجع الحديث رقم ٣٤٢.
(٣) الدبرة : بفتحتين الهزيمة في القتال وهي اسم من الإدبار مختار الصحاح ١٩٧. وفي الاصل الدايرة.
(٤) يعني أهل الروم لأن أباهم كان أصفر اللون.
(٥) وفي كتاب العرب قبل الإسلام ٢ / ٣٤٨ قائمة باسماء ملوك سباء وأحوالهم ، والمرأة هي بلقيس التي أنشأت سدّ مأرب.