الاحتمالات ، فإنّ القضيّة المراد إثباتها والتوصّل إلى اليقين بها ليست موجودة ضمن القضايا المراد الاستدلال بها ، وليست ملازمة لها كما هو الحال في القياس ، وإنّما هناك مجموعة من القضايا لا تتضمّن ولا تستلزم عقلا القضيّة المراد استنتاجها والتيقّن بها.
وإنّما هذه القضايا تشكّل بمجموعها قيمة احتماليّة بدرجة ما لإثبات هذه القضيّة بحيث تكون كلّ قضيّة فيها درجة من الاحتمال تضمّ إلى الدرجة الموجودة في القضيّة الأخرى ليحصل من المجموع على أساس الضرب حاصل لقيمة الصدق واليقين كبيرة جدّا ، ويحصل مقابل ذلك حاصل لقيمة النقيض أي لاحتمال الكذب والخلاف درجة ضئيلة جدّا قريبة من الصفر.
وبسبب ضآلة هذه القيمة الاحتماليّة للكذب والنقيض وبسبب أنّ الذهن البشري مفطور على عدم الاحتفاظ بقيمة كهذه تكون هذه القيمة قريبة من العدم ، بحيث إنّها تزول عمليّا وإن كانت بالدقّة العقليّة المتناهية لا تزال موجودة.
وبالتالي يحصل المستقرئ على يقين مستنتج من خلال استقراء مجموع هذه القضايا.
ولمزيد توضيح نضرب المثال التالي :
ومثال ذلك : أنّ نشاهد اقتران حادثة معيّنة بأخرى مرّات كثيرة جدّا ، فإنّ هذه الاقترانات المتكرّرة لا تتضمّن ولا تستلزم أن تكون إحدى الحادثتين علّة للأخرى ، إذ قد يكون اقترانهما صدفة ويكون للحادثة الأخرى علّة غير منظورة ، ولكن حيث إنّ من المحتمل في كلّ اقتران الا يكون صدفة وإلاّ تكون هناك علّة غير منظورة فيعتبر كلّ اقتران قرينة احتماليّة على علّيّة إحدى الحادثتين للأخرى ، وبتعدّد هذه القرائن الاحتماليّة يقوى احتمال العلّيّة حتّى يتحوّل إلى اليقين.
إذا شاهدنا اقتران حادثة بأخرى مرّات عديدة بحيث كان هذا الاقتران متكرّرا كثيرا ، فإنّه من المحتمل أن تكون إحدى الحادثتين علّة للأخرى ؛ لأنّ هذا الاحتمال يبرّر لنا الاقتران المتكرّر بينهما ، فإنّ العلّة إذا وجدت وجد المعلول بعدها ، ولكن يحتمل أيضا ألا تكون إحدى الحادثتين علّة للأخرى ، بل يكون اقترانهما معا مجرّد صدفة ، ويكون هناك علّة كانت موجودة لكنّنا لا نعلم بها هي التي برّرت وجود الحادثة الأخرى.