واليقين المعتمد على الاستقراء يكون مستنتجا من تراكم القيم الاحتماليّة على أساس استقراء وتتبّع عدّة تجارب ، ولا تكون القضيّة المراد استنتاجها واليقين بها متضمّنة أو مستلزمة لإحدى القضيّتين ، بل هي أجنبيّة عنها ، وإنّما تحصل من مجموع التجارب.
والنتيجة في القياس مستبطنة دائما في المقدّمات ؛ لأنّها إمّا أصغر منها أو مساوية لها ، والنتيجة في الاستقراء غير مستبطنة في المقدّمات التي تكوّن منها الاستقراء ؛ لأنّها أكبر وأوسع من مقدّماتها.
والفارق بين هذين النوعين من اليقين الموضوعي الاستنتاجي هو : أنّ النتيجة في اليقين الموضوعي الاستنباطي المعتمد على القياس تكون دائما مستبطنة ضمن المقدّمات ؛ لأنّها إمّا أصغر أو مساوية.
فمثلا قولنا : ( زيد إنسان ، وكلّ إنسان ناطق ، إذا زيد ناطق ) فهنا القضيّة المستنتجة وهي ( زيد ناطق ) موجودة ضمن إحدى المقدّمتين وهي ( كلّ إنسان ناطق ) ؛ لأنّ زيد مصداق من الإنسان فهو أصغر منه.
وقولنا : ( كلّ إنسان ناطق ، وكلّ ناطق حيوان ، إذا كلّ إنسان حيوان ) تكون النتيجة المستنتجة وهي ( كلّ إنسان حيوان ) مساوية لإحدى المقدّمتين وهي ( كلّ ناطق حيوان ) ؛ لأنّ الناطق والإنسان متساويان.
فدائما في اليقين الاستنباطي القياسي النتيجة فيه موجودة في إحدى المقدّمتين ؛ لأنّها إمّا أصغر أو مساوية لها. وأمّا النتيجة في اليقين الاستنتاجي الاستقرائي فهي ليست موجودة ضمن إحدى المقدّمتين ؛ لأنّها أكبر وأوسع وأعمّ منهما ، وهما أصغر منها ، والوجه في ذلك أنّ الاستقراء والتتبّع إنّما هو للقضايا الجزئيّة ومن هذه الجزئيّات يستنتج قاعدة كلّيّة.
والطرق التي تذكر عادة لإثبات الدليل الشرعي وإحرازه وجدانا من التواتر والإجماع والسيرة كلّها من وسائل اليقين الموضوعي الاستقرائي ، كما سنرى إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّ كلّ الطرق والوسائل التي تذكر عادة في علم الأصول لإثبات وإحراز الدليل الشرعي وجدانا ، وأنّه صادر من الشارع يقينا كلّها تعتمد على اليقين