فمثلا إذا كان هناك إخباران عن قضيّة ما فهنا توجد قيمة احتماليّة لكلّ من الصدق والكذب موزّعة على أساس رقم اليقين (١) بالنحو التالي :
ففي الفرض المذكور يوجد لدينا علم إجمالي مكوّن من أربعة أطراف في هذين الخبرين كما تقدّم في القضيّة التجريبيّة ، بحيث تكون القيمة الاحتماليّة لكلّ طرف هي ١ / ٤ ، وهذه القيمة سوف تكون لصالح فرضيّة الصدق في ثلاثة أطراف أي ٣ / ٤ ويكون ١ / ٤ في الطرف الرابع موزّعا بالتساوي بين فرضيّة الصدق وفرضية الكذب ، فيكون حاصل القيمة الاحتماليّة لافتراض الصدق ٣ / ٤ نصف الربع أي ١ / ٨ ٧ / ٨ ويقابلها قيمة احتماليّة بدرجة ١ / ٨ لفرضيّة الكذب.
فإذا كانت الإخبارات ثلاثة ازدادت أطراف العلم الاجمالي وتوزّع رقم اليقين عليها بالتساوي ويكون لصالح فرضيّة الصدق ٧ / ٨+ نصف الثمن أي ١ / ١٦ من مجموع القيمة الاحتماليّة في الأطراف ، وهو عبارة عن ٧ / ٨+ ١ / ١٦ ١٤+ ١ / ١٦ ١٥ / ١٦ ، ويقابلها ١ / ١٦ لصالح فرضيّة الكذب ، وهكذا الحال كلّما تعدّدت الإخبارات كلّما ازدادت القيمة الاحتماليّة لفرضيّة الصدق وتناقصت القيمة الاحتماليّة لفرضيّة الكذب إلى أن تصل إلى درجة قريبة من الصفر فتزول.
ونفس الكبرى التي افترضها المنطق القديم ليست في الحقيقة إلا قضيّة تجريبيّة أيضا ، ومن هنا نجد أنّ حصول اليقين بالقضيّة المتواترة والتجريبيّة يرتبط بكلّ ما له دخل في تقوية القرائن الاحتماليّة نفسها ، فكلّما كانت كلّ قرينة احتماليّة أقوى وأوضح كان حصول اليقين من تجمّع القرائن الاحتماليّة أسرع.
وبهذا ظهر أنّ نفس الكبرى التي تعتمد عليها القضيّتان التجريبيّة والمتواترة التي افترضها المنطق الأرسطي القديم وسار عليها المشهور هي بنفسها قضيّة تجريبيّة وليست بديهيّة ، بمعنى أنّ ( الصدفة لا تتكرّر دائما أو غالبا ) التي هي الكبرى التي تعتمد عليها القضيّة المتواترة القائلة : ( بأنّ اجتماع عدد كبير من المخبرين على الكذب ممتنع ) والقضيّة التجريبيّة القائلة : ( بأنّ الصدفة والاتّفاق لا تتكرّران ) ، ليست قضيّة بديهيّة أوّليّة ، بل هي قضيّة استدلاليّة تحتاج إلى إعمال الفكر والنظر وهي مستنتجة من خلال التجربة والاستقراء القائم على مبدأ حساب الاحتمالات ، وهذا معناه أنّها أكبر من مقدّماتها دائما.