ويدلّ على ذلك : أنّ حصول اليقين بالقضيّة المتواترة والتجريبيّة يرتبط بكلّ ما له دخالة في تقوية وازدياد القيمة الاحتماليّة لفرضيّة الصدق والعلّيّة ، وكلّ ما له دخالة في تضعيف القيم الاحتماليّة لفرضيّة الكذب والعلّة الأخرى غير المنظورة.
وبتعبير آخر : أنّه كلّما كانت الظروف المختلفة في شتّى النواحي والميادين مختلفة بين المخبرين كلّما كان احتمال الصدق أقوى وأوضح ، وكلّما كانت القيمة الاحتماليّة أسرع ازديادا لصالح فرضيّة الصدق ؛ لأنّ الاختلاف في تلك الأمور سواء بالخبر والقضيّة المتواترة يقوّي عدم الكذب ؛ إذ يصعب الاتّفاق على الكذب مع هذا الاختلاف والبون الشاسع بين المخبرين.
وهكذا الحال بالنسبة للقضيّة التجريبيّة ، فإنّه كلّما كان الاقتران بين الحادثتين موجودا رغم اختلاف الظروف المكانيّة والزمانيّة والمناخيّة كان معنى ذلك أنّ افتراض العلّيّة أقوى وأوضح من افتراض علّة أخرى غير منظورة.
وهكذا أيضا فيما إذا كانت الظروف في القضيّتين قريبة من بعضها وكان الاختلاف قليلا ، فإنّ القيمة الاحتماليّة لافتراض الصدق والعلّيّة سوف يكون أبطأ وأقلّ ، ويحتاج إلى إخبارات واقترانات عديدة لكي تترسّخ فكرة الصدق والعلّيّة.
وهذا الأمر واضح وجدانا وهو منبّه أيضا على بطلان ما يفترضه المنطق الأرسطي من كون هذه الكبرى التي تعتمد عليها القضيّة المتواترة والتجريبيّة بديهيّة وأوّليّة ؛ إذ فرضها أوّليّة معناه أنّ الظروف العوامل التي ذكرناها لن يكون لها تأثير قوّة وضعفا أو وضوحا وغموضا في افتراض الصدق والكذب ؛ لأنّ القضايا البديهيّة لا تتأثّر ولا تختلف باختلاف الأشخاص والأمكنة والأزمنة.
فمثلا الكلّ أكبر من الجزء ، أو النقيضان لا يجتمعان لا يختلف فيها أحد من الناس أبدا مهما اختلفت ظروفهما وأهوائهما وأمكنتهما بشرط سلامة الحواسّ طبعا. فعدم الاختلاف في القضايا البديهيّة والاختلاف في هذه الكبرى دليل على أنّها ليست بديهيّة وأوّليّة ، أو على الأقلّ شاهد وجداني على ذلك.
وعلى هذا الأساس نلاحظ أنّ مفردات التواتر إذا كانت إخبارات يبعد في كلّ واحد منها احتمال الاستناد إلى مصلحة شخصيّة تدعو إلى الإخبار بصورة معيّنة ـ إمّا لوثاقة المخبر أو لظروف خارجيّة ـ حصل اليقين بسببها بصورة أسرع. وكذلك