الحال في الاقترانات المتكرّرة بين الحادثتين ، فإنّه كلّما كان احتمال وجود علّة غير منظورة أضعف كانت الدلالة الاحتماليّة لكلّ اقتران على العلّيّة أقوى ، وبالتالي يكون اليقين بالعلّيّة أسرع وأرسخ.
ومن هنا يظهر أنّه كلّما كانت الإخبارات في القضيّة المتواترة إخبارات يبعد في كلّ واحد منها الكذب والمصلحة في الإخفاء والتزوير كانت القيمة الاحتماليّة للصدق أقوى وأرسخ ، وحصل اليقين بصورة أسرع ممّا لو كانت الإخبارات لا يبعد فيها الكذب ، أو كان احتمال الكذب ليس بعيدا بتلك المثابة فإنّ حصول اليقين سوف يكون بطيئا ومحتاجا إلى مفردات أكثر من الإخبار.
فمثلا وثاقة الراوي وعدالته تكون القيمة الاحتماليّة لخبره أكبر من القيمة الاحتماليّة لخبر المجهول أو الضعيف أو الأقلّ وثاقة وعدالة ، وكذلك الظروف المحيطة بالراوي أو الرواية أو القضيّة المخبر بها من خوف وتقية ، أو كونها ممّا ينتظر فيها الإخبار والنصّ أو عدم ذلك ، وكذلك الظروف السلبيّة والاجتماعيّة ونحو ذلك فكلّها تؤثّر سلبا أو إيجابا على القيمة الاحتماليّة للصدق ، وتجعل اليقين يختلف سرعة وبطءا.
ونفس هذا الكلام يجري في القضيّة التجريبيّة ، فإنّه كلّما كان احتمال العلّيّة أكبر وأقوى وأوضح نتيجة الاقترانات الكثيرة كان حصول اليقين بعلّيّة الحادثة الأولى للثانية أقوى وأسرع ممّا لو كان احتمال العلّيّة أضعف أو أبعد من احتمال العلّة الأخرى غير المنظورة.
فإنّ هذا الاختلاف والتفاوت يؤثّر على مفردات القضيّة التجريبيّة والمتواترة سلبا وإيجابا ، فنحتاج مثلا إلى عدد غير كبير فيما إذا كانت القيمة الاحتماليّة للصدق والعلّيّة أقوى وأوضح ، بينما نحتاج إلى مفردات كثيرة جدّا ممّا إذا لم تكن قويّة وواضحة ، وقوّتها وضعفها راجع إلى الظروف المحيطة بالقضيّتين ، والوجه في هذا الاختلاف هو :
وليس ذلك إلا لأنّ اليقين في المتواترات والتجريبيّات ناتج عن تراكم القرائن الاحتماليّة وتجمّع قيمها الاحتماليّة المتعدّدة في مصبّ واحد ، وليس مشتقّا من قضيّة عقليّة أوّليّة كتلك الكبرى التي يفترضها المنطق.
والوجه في هذا الاختلاف راجع إلى وحدة المصبّ وتعدّده ، فكلّما كان المصبّ