بنفس القضيّة المتواترة من حيث المخبر ونوعيّة الخبر والظروف وما إلى ذلك ، وبعضها عوامل ذاتيّة نفسيّة ترتبط بالسامع ومدى وثاقته واطمئنانه بالراوي أو القضيّة وما إلى ذلك.
وما قيل : من أنّ العدد المطلوب في التواتر ٣١٣ أو ١٢ أو ٧٠ أو أكثر من ٤ وما إلى ذلك ليست إلا تحديدات وهميّة وخياليّة ؛ بناء على ما ذكرناه من المبنى الصحيح لحصول اليقين من القضيّة المتواترة.
نعم ، لعلّ منشأ هذه التحديدات هو المنطق الأرسطي الذي اعتمد على أنّ الكبرى في القضيّة المتواترة بديهيّة ، وهي أنّ اجتماع عدد كبير على الكذب ممتنع ، فإنّهم يسلّمون بهذه الكبرى فبحثوا في الصغرى فقط ، وهو مقدار هذا العدد الذي يمتنع تواطؤه على الكذب.
والحاصل : أنّه يوجد عوامل موضوعيّة وعوامل ذاتيّة تؤثّر على القيمة الاحتماليّة ، وسوف نتحدّث عنها بالتفصيل :
فمنها : نوعيّة الشهود من حيث الوثاقة والنباهة.
أمّا العوامل الموضوعيّة فهي العوامل المرتبطة بنفس الخبر من حيث المضمون والسند ، وهي على أنحاء :
الأوّل : نوعيّة الشهود الذين أخبروا بمضمون الحادثة التي سمعوها أو شاهدوها ، فإنّه إذا شهد الثقة النبيه الفطن الذي يعرف بذكائه وأنّه لا ينسى وأنّه ثقة كبير لا يكذب فإنّ القيمة الاحتماليّة لصدق خبره سوف تكون كبيرة ، وأكبر ممّا لو كان هذا المخبر ضعيف الحال معروف بالنسيان وعدم الفطنة ، أو أنّه يكذب في بعض الأحيان ، أو أنّه مجهول الحال لا يعرف عنه شيء من هذه النواحي ، فإنّ ذلك يوجب كون القيمة الاحتماليّة لصدق خبره ضعيفة وضئيلة.
والثمرة العمليّة بين هذه الحالات أنّه إذا كان ثقة فطنا فإنّ حصول اليقين بالقضيّة المتواترة سوف يكون أسرع ولا يحتاج إلى مفردات كثيرة ، بينما في غير هذه الحالة تحتاج إلى مفردات أكثر ؛ لأنّ القيم الاحتماليّة تكون ضئيلة وضعيفة ، ولذلك لا يحصل اليقين منه بسرعة ، بل يكون حصوله بطيئا ويحتاج إلى عدد أكبر من سابقه.