ومنها : تباعد مسالكهم وتباين ظروفهم ؛ إذ بقدر ما يشتدّ التباعد والتباين يصبح احتمال اشتراكهم جميعا في كون هذا الإخبار الخاصّ ذا مصلحة شخصيّة داعية إليه بالنسبة إلى جميع أولئك المخبرين ـ على ما بينهم من اختلاف في الظروف ـ أبعد بحساب الاحتمال.
الثاني : تباعد مسالكهم وتباين ظروفهم ، فإنّه إذا كانت المسالك السياسيّة والدينيّة والمذهبيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والعقائديّة مختلفة بين الشهود الذين يخبرون بالقضيّة فإنّ درجة احتمال صدقهم سوف تكون أكبر بكثير ممّا لو كانوا متّفقين في بعض هذه الأمور أو في أكثرها.
والوجه في ذلك : أنّ مبرّر صدقهم مع كونهم مختلفين في هذه المسالك والظروف يكون واحدا ، وهو أنّ هذه القضيّة قد صدرت فعلا وواقعا ، بينما يكون مبرّر كذبهم متعدّدا ؛ إذ معناه افتراض اقتران مصالحهم صدفة ، وهذا بعيد بحساب الاحتمال ، ولذلك تكون القيمة الاحتماليّة للصدق أكبر وحصول اليقين أسرع.
وأمّا لو كانت هذه المسالك والظروف متقاربة أو متشابهة أو متّفقة في أكثرها أو في جلّها فإنّ مبرّر الكذب حينئذ لن يكون متعدّدا ؛ إذ المفروض أنّهم متّفقون في الأهواء والمصالح ، فيكون هناك مصلحة واحدة مشتركة هي التي دعتهم للكذب ، مع احتمال صدقهم أيضا بأن تكون قد صدرت هذه الواقعة فعلا ، ولذلك تكون القيمة الاحتماليّة للصدق ضئيلة وضعيفة أو مساوية لاحتمال الكذب ، وعليه نحتاج إلى مفردات أكثر ويكون حصول اليقين بطيئا ممّا كان عليه سابقا (١).
ومنها : نوعيّة القضيّة المتواترة ، وكونها مألوفة أو غريبة ، لأنّ غرابتها في نفسها تشكّل عاملا عكسيّا.
الثالث : نوع القضيّة ، فإنّ القضيّة المتواترة التي يخبر بها إذا كانت مألوفة بحيث إنّه من المتوقّع صدورها ؛ لأنّها كانت مورد حاجة أو موضع ابتلاء للناس ، فإنّ درجة التصديق بها سوف تكون أسرع وأكبر ممّا لو كانت هذه القضيّة غريبة وغير معتادة
__________________
(١) وهذا العامل قد التفت إليه بعض من القدماء فاشترط في التواتر أن يكون المخبرون من بلدان متعدّدة أو من أديان مختلفة ، وليس ذلك إلا لأنّهم أحسّوا بفطرتهم ووجدانهم أنّ هذا الاختلاف يقوّي اليقين أكثر ويجعله أرسخ ممّا لو كانوا متّفقين في المسكن والمذهب.