فكلّما كانت القضيّة المخبر بها والتي يشهد عليها قضيّة حسيّة مباشرة يمكن إدراكها بالحواسّ ، كنزول المطر أو حدوث الزلزلة ونحو ذلك كانت درجة الصدق والقيمة الاحتماليّة وحصول اليقين أقوى وأسرع وأرسخ ، بينما إذا كانت القضيّة المشهود بها قضيّة حدسيّة استنتاجيّة من خلال بعض المظاهر الحسيّة كالإخبار عن العدالة لشخص من خلال كونه يصلّي ويصوم مثلا ، فإنّ درجة احتمال الصدق وحصول اليقين والقيمة الاحتماليّة تكون أقلّ وأبطأ وتحتاج إلى مفردات كثيرة جدّا.
والفرق بين هذين النحوين تابع للملاك الموجود فيهما : فإنّه إذا كانت القضيّة حسيّة كان احتمال الخطأ والاشتباه والغفلة والنسيان وعدم التذكّر بعيد جدّا في نفسه ؛ لأنّ الأصل أن يكون الإنسان المشاهد للحادثة سليم الحواسّ وملتفتا وذاكرا لكلّ ما يجري أمامه ، وأنّ ما ينقله هو كلّ ما رآه أو سمعه دون زيادة أو نقصان ، ولذلك يكون التصديق أقوى وأسرع وأرسخ.
وأمّا إذا كانت القضيّة حدسيّة فإنّ احتمال الخطأ والغفلة والاشتباه في الاستنتاج والحدس الذي اعتقد به الشخص المخبر ليس بعيدا في نفسه ، وذلك لكثرة الخطأ في الاستنتاجات والاعتقادات الظنيّة ، فيحتمل احتمالا كبيرا أنّ ما استنتجه غير صحيح ، أو أنّه لا يدلّ على ما حدس به واعتقده بتلك المثابة التي حصل عليها ، أو أنّ هذه الشواهد كانت برأينا غير كافية لحصول الحدس بالعدالة مثلا ، ولذلك تكون القيمة الاحتماليّة للصدق ضئيلة وتحتاج إلى مفردات كثيرة لحصول اليقين وترسّخه في الذهن.
والسرّ في ذلك أنّ استنتاجات الأشخاص ونظريّاتهم وأفكارهم تختلف عن بعضها كثيرا ، بخلاف الحسيّات فإنّه مع سلامة الحواسّ لا يختلف اثنان فيما يشاهدانه أو يسمعانه.
إلى غير ذلك من العوامل التي يقوم تأثيرها إيجابا أو سلبا على أساس دخلها في حساب الاحتمال وتقييم درجته.
فكلّ عامل من العوامل التي ذكرناها مضافا الى عوامل أخرى لم نذكرها لها تأثير سلبي أو إيجابي على درجة التصديق وعلى مفردات القضيّة وعلى القيمة الاحتماليّة.