آلاف حديث قلنا : إنّها مائة مليون طرف ، فلو كان في كلّ مائة منها رواية واحدة صادقة لكان مجموع الروايات الصادقة هو حاصل تقسيم مائة مليون على عشرة آلاف مجموع الروايات ، وتكون النتيجة هي عشرة آلاف رواية صادقة وهي كلّ الروايات ، وهذا معناه أنّنا حصلنا على اليقين بصدق كلّ الروايات الموجودة في الكتب الأربعة ، وهذا معناه زوال العلم الإجمالي بكذب مائة رواية منها ، وهو خلف المفروض.
وبهذا اتّضح أنّ القيمة الاحتماليّة لصدق رواية من مائة في جميع أطراف العلم الإجمالي لا يمكن أن تتحوّل إلى اليقين ، بل لا تتعدّى الاطمئنان فقط ، وحينئذ ننتقل إلى النقطة الخامسة وهي :
وهكذا نعرف أنّ درجة احتمال صدق واحد من الأخبار على الأقلّ تبقى اطمئنانا ، وحجّيّة هذا الاطمئنان مرتبطة بتحديد مدى انعقاد السيرة العقلائيّة على العمل بالاطمئنان ، وهل تشمل الاطمئنان الإجمالي المتكوّن نتيجة جمع احتمالات أطرافه أو لا؟ إذ قد يمنع عن شمول السيرة لمثل هذه الاطمئنانات الإجماليّة.
النقطة الخامسة : هل أنّ هذه القيمة الاحتماليّة المفيدة للاطمئنان بصدق رواية من مائة حجّة أم لا؟
وهذا البحث مرتبط بأنّ دليل حجّيّة الاطمئنان والذي هو السيرة العقلائيّة هل يشمل كلّ اطمئنان سواء كان منشؤه العلم الإجمالي القائم على حساب الاحتمالات أو كان منشؤه الفهم العرفي المسامحي فقط؟
ولعلّ الصحيح هو أنّ السيرة العقلائيّة لم تنعقد على العمل بالاطمئنان الناتج عن العلم الإجمالي القائم على حساب الاحتمالات ؛ لعدم وجود مثل هذا العلم الإجمالي في حياتهم وسيرتهم العمليّة ، ولو فرض وجوده فهو نادر جدّا لا يمكن الاستدلال بالسيرة على مثله ، وبالتالي لا يكون مثل هذا الاطمئنان حجّة (١).
__________________
(١) وهذا هو الصحيح بنظر السيّد الشهيد ؛ ولذلك لم يذكر هذا القسم من أقسام التواتر في الحلقة الثانية ، ولعلّ ذكره هنا مسامحة واضحة ؛ لأنّه لا يؤدّي إلى اليقين بل إلى الاطمئنان فقط ، والمطلوب من التواتر إفادة اليقين ؛ لأنّه من وسائل الإحراز الوجداني لا التعبّدي كما تقدّم سابقا.
ولعلّ ذكره هنا من باب مناسبة المنهجة العلميّة فقط.