إليه مضعّف آخر وهو : أنّ افتراض كذب الجميع يعني وجود مصلحة شخصيّة لدى كلّ مخبر دعته إلى الإخبار بذلك النحو ، وهذه المصالح الشخصيّة إن كانت كلّها تتعلّق بذلك الجانب المشترك ، فهذا يعني أنّ هؤلاء المخبرين على الرغم من اختلاف ظروفهم وتباين أحوالهم اتّفق صدفة أن كانت لهم مصالح متماثلة تماما.
وإن كانت تلك المصالح الشخصيّة تتعلّق بالنسبة إلى كلّ مخبر بكامل المدلول المطابقي ، فهذا يعني أنّها متقاربة ، وذلك أمر بعيد بحساب الاحتمالات ، وهذا ما نسمّيه بالمضعّف الكيفي يضاف إلى ذلك المضعّف الكمّي.
لا إشكال هنا في وجود المضعّف الكمّي المذكور سابقا ، بحيث إنّ القيمة الاحتماليّة لكذب الجميع تكون قيمة ضئيلة جدّا ، بينما القيمة الاحتماليّة للصدق تكون كبيرة جدّا على أساس الضرب في القيم الاحتماليّة ، كما تقدّم سابقا في القضيّة التجريبيّة والمتواترة.
فإنّ كلّ خبر بنفسه يشكّل قيمة احتماليّة للصدق مساوية للقيمة الاحتماليّة للكذب ، ولكن إذا لوحظ كلّ خبر مع غيره فإنّ القيمة الاحتماليّة للصدق سوف تزداد ، بينما القيمة الاحتماليّة للكذب سوف تضعف وتتضاءل ؛ لأنّه إذا أخذنا الخبرين الأوّلين سوف يتشكّل علم إجمالي مكوّن من أربعة أطراف ، وتكون القيمة الاحتماليّة للصدق فيه ٧ / ٨ ، بينما القيمة الاحتماليّة للكذب ١ / ٨ ، فإذا أخذ ثلاثة أخبار تكون القيمة الاحتماليّة للكذب ١ / ١٦ وفي الأربعة تكون ١ / ٣٢ وهكذا. إلى أن تصل القيمة الاحتماليّة للكذب ضئيلة جدّا يقابلها قيمة احتماليّة للصدق كبيرة جدّا ، وهذا هو المضعّف الكمّي.
ثمّ إنّ هذه القيمة الاحتماليّة للكذب تزول وتصل إلى اليقين ، وذلك على أساس مضعّف آخر يضاف إلى المضعّف الكمّي ، وعلى أساس هذا المضعّف الكيفي سوف تكون القيمة الاحتماليّة للكذب أكثر ضآلة ممّا كانت عليه ؛ وذلك للأسباب التالية :
عرفنا فيما سبق أنّ العوامل الموضوعيّة والذاتيّة تشكّل بمجموعها المضعّف الكيفي ، وهنا العوامل الموضوعيّة معناها أنّنا إذا لم نفترض الصدق والجزم بصدور هذه القضيّة المخبر عنها وأنّها ليست ثابتة واقعا فهذا معناه أنّ كلّ مخبر قد كذب في إخباره ، وكذبه هذا ناتج عن وجود مصلحة شخصيّة دعته إلى الكذب. وهذا معناه أنّنا