شرعيّا ؛ لأنّ الدليل الشرعي إنّما هو الكتاب والسنّة اللفظيّة وغير اللفظيّة ، أي الآيات والروايات وفعل المعصوم وتقريره ، وهو ليس منها. وعليه ، فيكون البحث عن الإجماع حينئذ بحثا عن دليل غير شرعي يراد الاستدلال به على الحكم الشرعي ، وهذا معناه أنّه خارج عن عنوان بحثنا ؛ لأنّ البحث هنا معقود لإثبات صدور الدليل على الحكم الشرعي لا لإثبات الحكم نفسه.
وأمّا بناء على الأساس الرابع ، فإنّ الإجماع كان يثبت الحكم الشرعي بتوسّط كشفه عن الدليل الشرعي على أساس الملازمة بين إجماع العلماء على فتوى معيّنة وبين وجود الدليل الشرعي على هذه الفتوى ؛ لأنّ العلماء لا يفتون عادة إلا إذا كان هناك دليل شرعي على الفتوى.
وهذا يعني أنّ الإجماع يكشف عن الدليل ، والدليل هو الكاشف عن الحكم ، فيكون البحث عن الإجماع بحثا عن إحراز صغرى الدليل الشرعي ، أي أنّ هذه الفتوى المجمع عليها يوجد عليها دليل شرعي ، ففي مورد هذا الإجماع يوجد دليل شرعي ، وهذا صغرى لكبرى كلّيّة وهي كلّما ثبت الدليل الشرعي على شيء فيحكم العقل بلزوم الإطاعة والامتثال والعمل ، فيكون البحث حينئذ من الوسائل التي تثبت وتحرز الدليل الشرعي إحرازا وجدانيّا لا تعبديّا ؛ لأنّ حجّيّة الإجماع هنا كانت على أساس كاشفيّته التكوينيّة عن الدليل القائم على أساس الملازمة المذكورة.
يبقى علينا أن نبحث عن هذه الملازمة وأنّه ما هو المنشأ لها ، وعلى أي أساس كان هناك تلازم بين الإجماع على شيء وبين وجود الدليل الشرعي عليه ، وأنّ هذه الملازمة هل هي مستنتجة من خلال القياس الاستنباطي أو مستنتجة على أساس الاستقراء وحساب الاحتمالات؟
وهذا البحث نريد أن نتناوله الآن فنقول :
وقد قسّم الأصوليّون الملازمة ـ كما نلاحظ في ( الكفاية ) (١) وغيرها (٢) ـ إلى ثلاثة أقسام ، ثمّ بحثوا عن تحقّق أي واحد منها بين الإجماع والدليل الشرعي وهي : الملازمة العقليّة والعاديّة والاتّفاقيّة ، ومثّلوا للأولى بالملازمة بين تواتر الخبر
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٢٢.
(٢) مصباح الأصول ٢ : ١٣٨ ـ ١٤٠.