المفهوم من دون حاجة إلى أدلّة إثباتيّة تصديقيّة كالإطلاق بقرينة الحكمة ونحو ذلك.
ولا بدّ ـ إضافة إلى ذلك ـ أن يكون المرتبط على نحو التوقّف والالتصاق طبيعي الوجوب لا وجوبا خاصّا ، وإلا لم يقتض التوقّف إلا انتفاء ذلك الوجوب الخاصّ ، وهذا القدر من الانتفاء يتحقّق بنفس قاعدة احترازيّة القيود ولو لم نفترض مفهوما.
والأمر الثاني : أن يكون المرتبط طبيعي الحكم لا شخصه ، ففي الجملة الشرطيّة المذكورة مثلا يكون الربط الخاصّ بين الشرط والجزاء موجبا لانتفاء طبيعي الجزاء عند انتفاء الشرط ، فعندها يتحقّق المفهوم للجملة ، وهو أنّه لا وجوب مطلقا لإكرام زيد عند عدم مجيئه ، وأمّا انتفاء شخص الحكم فقط فهو لا يكفي لإفادة المفهوم ؛ وذلك لأنّ انتفاء شخص الحكم ثابت على أساس قاعدة احترازيّة القيود وإن لم يكن هناك مفهوم أصلا.
توضيح ذلك : أنّ قاعدة احترازيّة القيود توجب أنّ القيد المذكور في الكلام دخيل في موضوع الحكم ، بحيث إنّ الفاقد للوصف والقيد ينتفي عنه هذا الحكم المقيّد به ، فإذا قيل : ( أكرم العالم العادل ) دلّت احترازيّة القيود على أنّ كلّ قيد يقوله في الكلام يكون دخيلا في المراد الجدّي.
وهذا معناه أنّ وجوب إكرام العالم يشترط فيه العدالة ، فإن لم يكن عادلا كان وجوب إكرامه منتفيا إلا أنّ وجوب الإكرام المنتفي عنه من جهة كونه عالما غير عادل ، وهذا لا يمنع ثبوت وجوب الإكرام للعالم غير العادل بقيد وملاك آخر كأن يكون فقيرا أو هاشميّا مثلا.
وعلى هذا فنقول : إنّ المفهوم كمصطلح أصولي هو انتفاء طبيعىّ الحكم لا شخصه ؛ لأنّه لو أريد انتفاء الشخص فقط كان البحث عن المفهوم للجملة لغوا ؛ لأنّه تحصيل للحاصل ، إذ انتفاء شخص الحكم ثابت بقاعدة الاحترازيّة ، فما الحاجة لإثبات انتفاء هذا الشخص ثانيا على أساس المفهوم؟!
وأمّا لو كان المنتفي هو الطبيعي والكلّي لكان للمفهوم معنى تأسيسيّ جديد لم يكن موجودا من قبل ، وهذا معناه أنّ المنتفي هو طبيعي الحكم بما هو هو من دون نظر إلى الأفراد وليس المنتفي هو صرف الطبيعة ؛ لأنّ الطبيعة الصرفة تتحقّق بفرد من أفرادها ، فلو