ومثّلوا لها في الأصول بالملازمة بين الخبر المستفيض وصدقه ، فإنّ استفاضة الخبر لا توجب بنفسها الصدق ، وليس هناك عادة وعرف على ذلك ، بل قد يصدق وقد لا يصدق أيضا ، ولكنّه صادف أنّه تكرّر صدقه ، فحدثت الملازمة.
وبعد ذلك ذكروا أنّ الملازمة بين الإجماع ووجود الدليل الشرعي من النحو الأوّل ، أي الملازمة العقليّة الذاتيّة بحيث يستحيل أن ينفكّ الصدق عن الإجماع.
والتحقيق : أنّ الملازمة دائما عقليّة ، والتقسيم الثلاثي لها مردّه في الحقيقة إلى تقسيم الملزوم لا الملازمة.
والصحيح : أنّ التقسيم المذكور غير صحيح ، فإنّ الملازمة بين شيئين عقليّة دائما ؛ لأنّ العقل هو الذي ينتزع الملازمة من خلال التلازم الخارجي بين شيئين ، بحيث إنّ العقل إذا رأى أنّه إذا تحقّق هذا الشيء تحقّق ذاك وتكرّر ذلك انتزع من ذلك مفهوم الملازمة ، فالملازمة مفهوم عقلي منتزع من الخارج ، ولذلك ينبغي ملاحظة الخارج ؛ ليعرف وجه التلازم بين هذين الشيئين ( اللازم والملزوم ) ، فالتقسيم في الحقيقة مردّه إلى طرف الملازمة الذي هو الملزوم الذي يلزم منه وجود ذاك الشيء أي اللازم ، ولذلك نقول :
فإنّ الملزوم إذا كان ذات الشيء مهما كانت ظروفه وأحواله سمّيت الملازمة عقليّة ، كالملازمة بين النار والحرارة.
إذا كان الملزوم يترتّب عليه اللازم دائما وفي كلّ الحالات والظروف لا يشذّ عنها مطلقا ، بحيث إنّه إذا ثبت ذات الملزوم ترتّب اللازم عليها ، فهذا النوع من التلازم بين الشيئين يسمّيه العقل الملازمة العقليّة ، كالملازمة بين العلّة والمعلول والأثر والمؤثّر ، فإنّه إذا ثبت ذات النار ترتّب عليها الحرارة ، فالحرارة تابعة لذات النار لا تنفكّ عنها أبدا في مختلف الأحوال والظروف ، فلأجل أنّ الملزوم يترتّب عليه اللازم دائما يسمّى بالملازمة العقليّة.
وإذا كان الملزوم الشيء المنوط بظروف متواجدة فيه غالبا وعادة سمّيت الملازمة عاديّة.
وإذا كان اللازم يترتّب على الملزوم في بعض الظروف والحالات ولكنّها كانت هذه الظروف والحالات متوفّرة ومتحقّقة غالبا وعادة فتسمّى الملازمة بينهما عاديّة ،