فالملازمة بينهما إنّما تنتزع فيما إذا وجدت هذه الظروف والحالات لا مطلقا ، بحيث إذا اختلّت هذه الظروف لم يكن هناك تلازم بينهما ، ولا ينتزع العقل مفهوم الملازمة.
ومثال ذلك : الملازمة بين الهرم والشيخوخة وكبر السنّ ، فإنّه إذا تحقّق الملزوم أي كبر السنّ فالغالب بحسب ما جرت عليه العادة أن يتحقّق اللازم ، إلا أنّه إنّما يتحقّق فيما إذا كان هناك ظروف وأحوال معيّنة لا مطلقا ، ولكن الغالب أن توجد هذه الظروف إلا أنّه لا يعني ثبوت اللازم دائما ، بل قد ينفكّ عن الملزوم في حالات وظروف أخرى.
وإذا كان الملزوم الشيء المنوط بظروف قد يتّفق وجودها فالملازمة اتّفاقيّة.
وإذا كان اللازم يترتّب على الملزوم في بعض الظروف والحالات التي قد يصادف وجودها فالملازمة تسمّى اتّفاقيّة ، بمعنى أنّه لا يوجد تلازم بين ذات الملزوم واللازم لا دائما ولا غالبا ، وإنّما قد تتحقّق بعض الظروف والحالات الخاصّة توجب ترتّب اللازم ، إلا أنّ هذه الظروف نادرة وقليلة وليست إلا من قبيل المصادفة فقط ، كمجيء عمرو عند مجيء زيد ، فإنّ الملازمة بينهما تنشأ نتيجة بعض الظروف الخاصّة التي لا تتوفّر دائما ولا غالبا.
وبهذا ظهر أنّ الأقسام الثلاثة تابعة للملزوم مع لازمه في الخارج لا للملازمة التي ينتزعها العقل ، فإنّها مفهوم واحد لا اختلاف فيه ، وهو أنّه إذا تحقّق شيء تحقّق شيء آخر معه ، وهذا المعنى موجود في الأقسام الثلاثة.
والصحيح : أنّه لا ملازمة بين التواتر وثبوت القضيّة فضلا عن الإجماع.
وعلى هذا الأساس نقول : إنّه لا ملازمة بين التواتر وبين ثبوت القضيّة ، كما أنّه لا ملازمة أيضا بين الإجماع وثبوت القضيّة ، فما ذكر من أنّ هناك ملازمة عقليّة بين التواتر والإجماع من جهة وبين ثبوت القضيّة من جهة أخرى غير صحيح ؛ لأنّ الملازمة العقليّة عرفنا أنّ مردّها إلى التلازم بين ذات الملزوم وبين اللازم بحيث إنّه إذا تحقّق ذات الملزوم كان اللازم متحقّقا في كلّ الأحوال والظروف ، ولا يمكن أن ينفكّ عنه ؛ لأنّه مترتّب على ذات الملزوم.
وهنا إذا ثبت التواتر أو الإجماع فلا يترتّب على ذاتيهما ثبوت اللازم وهو ثبوت القضيّة المتواترة أو المجمع عليها ؛ لأنّه كما تقدّم سابقا في التواتر أنّ ثبوت القضيّة تابع