إذا أفتوا بالوجوب والاستحباب فهذا يدلّ على أنّ الحكم ليس هو الحرمة مثلا ، أو إذا أفتوا بالوجوب والحرمة فهذا يدلّ على أنّ الحكم ليس هو الترخيص.
فالمقصود من الإجماع المركّب هو نفي الثالث الذي لم يقل به أحد منهم ، فعلى أساس التلفيق والتركيب من هذين القولين استنتجنا وجود إجماع على نفي الثالث ، فهل هذا النحو من الإجماع حجّة أم لا؟ والجواب :
وأمّا المركّب من الإجماع ، فإن افترضنا أنّ كل فقيه من المجمعين يبني على نفي الوجه الثالث بصورة مستقلّة عن تبنيه لرأيه فهذا يرجع في الحقيقة إلى الإجماع البسيط على نفي الثالث.
الجواب : إنّ الإجماع المركّب على نحوين من جهة نفي الثالث :
الأوّل : أن يكون كل فقيه من المجمعين المنقسمين إلى رأيين ينفي الثالث بمدلول كلامه المطابقي أو الالتزامي أو الضمني مستقلا عن الرأي الذي ذهب إليه ، بمعنى أنّ كل فقيه يبني ويلتزم بعدم وجود هذا الثالث إما تصريحا وإما تلويحا فهو في عرض المدلول المطابقي لرأيه ، فإذا كان هناك إجماع منقسم بين الوجوب والحرمة فإنّ كل واحد منهم حينما يفتي بالوجوب أو الحرمة يبني في مرحلة سابقة عن ذلك على أنّ الحكم ليس هو الترخيص في هذه المسألة ، بل الأمر دائر بين هذين الأمرين فقط ولا يحتمل وجود حكم آخر غيرهما ، فإنّ هذا البناء يعتبر إجماعا من كل الفقهاء على نفي الثالث ، ويكون نفيه حينئذ قائما على أساس الإجماع البسيط لا المركّب ، فهو في الحقيقة مصداق للإجماع البسيط أيضا ؛ لأنّهم جميعا ينفون الثالث أوّلا ، ثمّ اختلفوا على هذين الرأيين ثانيا ، بحيث يكون كل واحد قد ذهب إلى الوجوب أو الحرمة بعد أن اعتقد بعدم الترخيص أولا ، فيكون الإجماع المركّب على نفي الثالث حجّة أيضا كالبسيط بل هو من البسيط في الحقيقة.
وإن افترضنا أنّ نفي الوجه الثالث عند كل فقيه كان مرتبطا بإثبات ما تبناه من رأي ، فهذا هو الإجماع المركّب على نفي الثالث ولا حجيّة فيه ؛ لأنّ حجيّته إنّما هي باعتبار كشفه الناشئ من تجمع القيم الاحتماليّة لعدم الخطأ ، وفي المقام نعلم بالخطإ عند أحد الفريقين المتنازعين ، فلا يمكن أن تدخل القيم الاحتماليّة كلّها في تكوين الكشف للإجماع المركّب ؛ لأنّها متعارضة في نفسها كما هو واضح.