أمّا النحو الثالث وهو كون الجائي بالنبإ إن كان فاسقا فيجب التبيّن ، فلا شكّ في ثبوت المفهوم فيه ؛ وذلك لأنّ الموضوع والشرط متغايران ، فإنّ النبأ والجائي به قد يصدق مع الفاسق وقد يصدق مع العادل ، فليس الشرط إذا مسوقا لتحقق الموضوع أصلا ، لأنّه يثبت بدونه أيضا ، فإذا انتفى مجيء الفاسق بالنبإ لا ينتفي النبأ بل يثبت مع العادل أيضا ، ويكون المفهوم إنّه إذا جاء العادل بالنبإ فلا يجب التبيّن بخلاف مجيء الفاسق به.
وهذا ممّا لا إشكال فيه ، وهو الذي اختاره صاحب ( الكفاية ).
كما لا شكّ في عدم المفهوم في النحو الثاني ، لأنّ الشرط حينئذ هو الأسلوب الوحيد لتحقق الموضوع.
وأمّا النحو الثاني ، وهو كون الموضوع نبأ الفاسق ، والشرط مجيء الفاسق به ، فهنا الشرط والموضوع متحدان ، فيكون الشرط مسوقا لتحقيق الموضوع ، وهو أيضا الأسلوب الوحيد لتحقيقه ؛ لأنّه يستحيل أن يتحقّق نبأ الفاسق من دون أن يأتي به الفاسق ، فإذا انتفى مجيء الفاسق فينتفي النبأ ، وبالتالي ينتفي الحكم والجزاء من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، ولا يكون للجملة مفهوم لأنّها بقوّة قولنا : ( يجب تبيّن نبأ الفاسق عند مجيئه به ) ، وأمّا إذا جاء غيره به كالعادل فهذا مسكوت عنه سلبا وإيجابا ، ويحتاج إلى دليل خاص خارج عن مفاد الجملة.
وأمّا في النحو الأوّل فالظاهر ثبوت المفهوم ، وإن كان الشرط محققا للموضوع ، لعدم كونه هو الأسلوب الوحيد لتحقيقه ، وفي مثل ذلك يثبت المفهوم كما تقدّم توضيحه في مبحث مفهوم الشرط.
وأمّا النحو الأوّل وهو كون الموضوع طبيعي وكلّي النبأ ، والشرط مجيء الفاسق به ، فهنا يكون الشرط محققا للموضوع ، لأنّ مجيء الفاسق بالنبإ يحقق النبأ ، إلا أنّه ليس الأسلوب الوحيد لتحقيقه ، فإنّ النبأ كما يتحقّق مع مجيء الفاسق به كذلك يتحقّق مع مجيء العادل به أيضا ، وقد تقدّم سابقا في بحث مفهوم الشرط أنّ الشرط المحقّق للموضوع على قسمين : فتارة يكون الأسلوب الوحيد لتحقيق الموضوع فلا يكون للجملة مفهوم ، وأخرى لا يكون الأسلوب الوحيد لتحقيقه ، بأن كان هناك شرط آخر لذلك فثبت للجملة مفهوم ، وهنا حيث إنّ الشرط ليس هو الأسلوب