العمل به منهيا عنه ومردوعا وبالتالي لا تكون هذه السيرة ممضاة من الشارع لأنّه قد ثبت الردع عنها.
والحاصل : أنّ هذه السيرة قد ثبت الردع عن العمل بها ، لأنّ مطلقات النهي عن العمل بما ليس علما وبكل ما هو ظن تشمل خبر الواحد لأنّه ظني ولا يفيد العلم ، فكيف يستدلّ بها على الحجيّة مع وجود الردع عنها؟!
الجواب الأوّل : ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله من أنّ السيرة حاكمة على تلك الآيات ، لأنّها تخرج خبر الثقة عن الظن وتجعله علما ، بناء على مسلك جعل الطريقية في تفسير الحجيّة.
الجواب الأوّل : ذكر المحقّق النائيني جوابا عن هذا الاعتراض مبنيا على ما اختاره في جعل الحجيّة من مسلك جعل الطريقية والعلمية في الحجج والإمارات ، فالسيرة العقلائيّة حيث إنّها تجعل الحجيّة لخبر الواحد والحجيّة معناها العلمية فيكون مفادها أنّ خبر الواحد علم تعبدا ، وحينئذ تكون حاكمة على مطلقات النهي وعمومات الآيات التي تنهى عن العمل بالظن وكل ما ليس بعلم ؛ لأنّ هذه المطلقات والعمومات وإن كانت شاملة لخبر الواحد باعتباره ليس علما تكوينا إلا أنّها صارت محكومة للسيرة التي تدّعي أنّ خبر الواحد علم تعبدا ، حيث إنّ السيرة تخرج مصداقا حقيقيا عن دائرة المطلقات والعمومات بلسان تعبّدي ادعائي ومثل هذا اللسان يسمّى بالحكومة كما تقدّم وسيأتي مفصّلا في محلّه.
ومن الواضح أنّ الدليل الحاكم مقدم على الدليل المحكوم بمقتضى قواعد الجمع العرفي التي سيأتي ذكرها في باب التعارض ؛ لأنّ الحكومة لسانها التوسعة أو التضييق ، وهنا السيرة توسّع من موضوع العلم ليشمل العلم الوجداني التكويني والعلم التعبّدي الادعائي ، فكما أنّ مطلقات النهي لا تشمل حقيقة العلم الوجداني لأنّه خارج من موضوعها تكوينا ، فكذلك لا تشمل العلم التعبّدي لأنّه خارج عن موضوعها ادّعاء ، فالحكومة هنا كالتخصيص أو التقييد يعتبر قرينة عرفيّة نوعيّة على الجمع العرفي بين الدليلين ، وبه يحلّ التعارض البدوي لأنّه تعارض غير مستقر.