بينما على الاحتمالين الأخيرين لا يجوز للمفتي الإفتاء بالاستحباب ؛ وذلك لأنّ الاحتمال الثالث ليس إلا إرشادا لحكم العقل بحسن الاحتياط وليس فيه أيّ شيء من شئون المولوية ، والاحتمال الرابع وإن كان فيه وعد مولوي إلا أنّه ليس حكما أيضا ، فالإفتاء بالاستحباب على أساسها لا مبرّر له ، إذ لا يوجد دليل شرعي على ذلك لا ظاهري ولا واقعي فيكون إفتاء من دون علم وهو تشريع باطل.
يبقى الكلام في أنّه هل توجد ثمرات عمليّة بين القولين الأولين ، أو بين القولين الأخيرين أم لا يوجد فيهما أثر عمليّا؟
أمّا القولان الأخيران فلا ثمرة عمليّة بينهما ؛ لأنهما معا لا يسوّغان الافتاء بالاستحباب ، ولخلوهما عن الحكم المجعول رأسا.
وأمّا القولان الأولان فقد وقع الخلاف في تصوير الثمرة بينهما ولذلك قال :
ولكن قد يقال ـ كما عن السيّد الاستاذ ـ : إنّه لا ثمرة عمليّة يختلف بموجبها الاحتمالان الأولان ؛ لأنهما معا يسوّغان الفتوى بالاستحباب ، ولا فرق بينهما في الآثار.
ولكن التحقيق وجود ثمرات عمليّة يختلف بموجبها الاحتمال الأوّل عن الاحتمال الثاني خلافا لما أفاده رحمهالله ، ونذكر فيما يلي جملة من الثمرات :
ذكر السيّد الخوئي أنّه لا ثمرة عمليّة بين القولين الأوّل والثاني ؛ ، لأنّهما معا حكمان مجعولان من الشارع ، وكلاهما أيضا يجوّز للمجتهد الإفتاء بالاستحباب وإسناده إلى الشارع ، غاية الأمر أنّه تارة يكون ظاهريّا وأخرى واقعيا ، وهذا فارق نظري وأمّا عمليّا فلا فرق بين الاستحباب الظاهري والواقعي في ترتيب الآثار واللوازم كما تقدّم سابقا من أنّ الحكم الظاهري كالحكم الواقعي في ترتيب الآثار واللوازم.
إلا أنّ الصحيح وجود ثمرات عمليّة بين هذين القولين رغم اشتراكهما في كونهما يتضمنان الحكم الشرعي ويسوّغان الحكم والإفتاء والإسناد ، ولذلك نذكر بعض هذه الثمرات :
الثمرة الأولى : أن يدلّ خبر ضعيف على استحباب فعل ، وخبر ثقة على نفي استحبابه.