في حالة عدم التنافي بين المحتملين ، ولكنّه يوجب سقوط حجيّة المجمل في إثبات الجامع وعدم تنجزه ؛ لأنّ تنجز الجامع بالمجمل إنّما هو لقاعدة منجزية العلم الإجمالي وهذه القاعدة لها أركان أربعة وفي مثل الفرض المذكور يختل ركنها الثالث كما أوضحنا ذلك في الحلقة السابقة ، حيث إنّ أحد المحتملين إذا ثبت بدليل فلا يبقى محذور من نفي المحتمل الآخر بالأصل العملي المؤمّن.
الدليل المجمل : أمّا حجيّة المجمل مع بقائه على إجماله فهي إنّما تتصوّر فيما إذا كان هناك جامع بين المحتملين أو المحتملات ، وكان لهذا الجامع بما هو كذلك أثر شرعي تنجيزي ، فإنّه في هذه الحالة سوف يكون هناك علم إجمالي بجامع التكليف الإلزامي المنجز ويشك في الأفراد ، وفي مثل هذه الحالة يتنجز الجامع على المكلّف دون أن تتنجز نفس المحتملات ؛ لأنّها غير معلومة كما إذا ورد دليل يدلّ على مطلوبيّة صلاة الليل ، ولكن كان اللفظ الدال على ذلك مجملا ومردّدا بين الوجوب أو الاستحباب ، فهنا يعلم إجمالا بجامع الطلب والرجحان والإرادة ولكن لا يعلم بالخصوصيات والمصاديق ، ولذلك لا يسري العلم من الجامع إلى الأفراد ، فإذا فرض لهذا الجامع أثر تنجيزي فيكون الدليل المجمل حجّة في إثباته وإلا فلا.
وهذا الجامع يكون منجّزا على المكلّف ما لم تختل منجزيته كما لو اختلت إحدى أركان منجزية العلم الإجمالي ، كما في الصور التالية :
الأولى : أن يأتي سبب من الخارج يبطل منجزية العلم الإجمالي وبالتالي لا يتنجز الجامع بأن كان هناك دليل خاص يعيّن المراد من الدليل المجمل مباشرة ، بأن كان هذا الدليل الخاص ناظرا إلى تفسير المقصود والمراد منه ، فيصبح حينئذ الدليل نصّا ، وبالتالي يتنجز أحد المحتملات السابقة دون غيره.
وهذا النظر والتفسير للمراد إما أن يكون بقرينة عامّة كالتخصيص والتقييد والأظهرية ، وإما أن يكون بقرينة خاصّة كالحكومة ، فلو كان الدليل المجمل مردّدا بين وجوب صلاة الليل أو استحبابها ، ثمّ جاء دليل آخر مفاده تفسير المراد من هذا المجمل وعيّن المراد منه بأنه الاستحباب ؛ لكان هذا الدليل حاكما بالحكومة التفسيرية ـ كما سيأتي ـ وبالتالي تنحلّ منجزية العلم الإجمالي بالجامع إلى الفرد ، ويكون المقصود من الطلب والرجحان خصوص الاستحباب.