يلاحظ على هذه الدعوى : أنّنا ننكر الدلالة على الانحصاريّة المذكورة سواء الصغرى أو الكبرى ، وتوضيحه :
أمّا الكبرى فما ذكر من كون الأكمليّة موجبة للانصراف ممنوع ؛ لأنّ الانصراف إنّما يتحقّق في صورتين : الأولى كثرة الاستعمال ، والثانية ندرة الأفراد الأخرى غير الفرد المدّعى الانصراف إليه ، وفي غير هاتين الصورتين لا يكون هناك انصراف وإن كان أحد الأفراد أكمل من غيره.
فمثلا إذا قيل : ( أكرم الإنسان ) فإنّه يعمّ كلّ فرد من أفراده ولا ينصرف إلى خصوص الإنسان المؤمن مثلا بحجّة كونه الفرد الأكمل من أفراد الإنسان ، بل لا بدّ أن يكون الانصراف ناشئا من مناسبات الاستعمال للّفظ في الفرد الخاصّ ، أو يكون ناشئا نتيجة الأنس الذهني ببعض الأفراد دون غيره كذلك.
وأمّا الصغرى وهي كون اللزوم العلّي الانحصاري أكمل من اللزوم العلّي غير الانحصاري فهي ممنوعة أيضا ، والوجه في ذلك أنّ معنى العلّيّة واللزوم في كلا الفردين على حدّ سواء ، من دون أشدّيّة أو أولويّة ؛ إذ العلّيّة واللزوم معناهما أنّه إذا وجد هذا وجد ذاك ، وإذا انتفى هذا انتفى ذاك ، وهذا المعنى موجود في كلا الفردين بنحو واحد ، ومجرّد كون العلّة هنا منحصرة وكونها هناك غير منحصرة لا يوجب تفاوتا بأصل العلّيّة واللزوم ، وهذا معناه أنّه لا أكمليّة أصلا (١).
الثالث : دعوى دلالة الأداة على الربط اللزومي وضعا ، ودلالة تفريع الجزاء على الشرط في الكلام على تفرّعه عنه ثبوتا ، وكون الشرط علّة تامّة له لأصالة التطابق بين مقام الإثبات والكلام ومقام الثبوت والواقع ، ودلالة الإطلاق الأحوالي في الشرط على أنّه علّة تامّة بالفعل دائما ، وهذا يستلزم عدم وجود علّة أخرى للجزاء ، وإلا لكانت العلّة في حال اقترانها المجموع لا الشرط بصورة مستقلّة ؛ لاستحالة اجتماع علّتين مستقلّتين على معلول واحد ، فيصبح الشرط جزء العلّة ، وهو خلاف الإطلاق الأحوالي المذكور.
__________________
(١) مضافا إلى المناقشة في أصل كون الشرطيّة موضوعة للّزوم ، فإنّ لازم هذه الدعوى كونها في غير موارد اللزوم كالاتفاقيّات مثلا مجازا مع أنّنا لا نحسّ بالمجازيّة فيها. وهذا شاهد ومنبّه على عدم صحّة وضع الشرطيّة للّزوم أصلا ، كما سيأتي بيانه.