الثانية : أن يكون هناك دليل من الخارج ينفي أحد المحتملين ، فإنّه إذا ضمّ هذا الدليل إلى الدليل المجمل الدائر أمره بين هذين المحتملين فقط تعيّن أن يكون المراد من المجمل هو المحتمل الثاني.
وهذا أيضا كالسابق لسانه التفسير والقرينة والنظر إلى الدليل المجمل وحل إجماله ببيان المقصود منه ، غاية الأمر أنّه في الصورة الأولى كان المقصود مبيّنا في الدليل الآخر مباشرة بينما هنا بالملازمة فإنّ الدليل الآخر ينفي أحد المحتملين بخصوصه ولمّا كان المجمل يدور بينهما بنحو مانعة الجمع ، فإذا انتفى أحدها تعيّن الآخر ، ففي المثال المتقدّم لو جاء الدليل ونفى وجوب صلاة الليل فإنّه يتعيّن استحبابها لأنّ الدليل المجمل يدور أمره بينهما فقط ، وحيث انتفى الوجوب تعين الاستحباب بمقتضى الحصر المذكور.
الثالثة : أن يأتي دليل آخر ولكنّه مجمل كالدليل السابق ، ولكن يعلم بأنّ المراد من هذين المجملين شيء واحد بأن كانا معا ناظرين إلى موضوع واحد ، وكان كل منها يشتمل على طرف يصلح لتفسيرهما معا لو حملا عليه ، بخلاف ما لو حمل كل منهما على غيره ، فهنا يتعيّن حملهما على هذا المحتمل الذي له القابلية لحلّ الإجمال فيهما بقرينة كونهما معا ينظران إلى مقصود واحد ، ولذلك ينحل العلم الإجمالي وتبطل منجزية الجامع لسريان العلم إلى الفرد.
مثال ذلك : المثال الفقهي المعروف في مسألة تحديد الكرّ بالأرطال ، حيث ورد دليل مفاده أنّ الكرّ تقديره ألف ومائتا رطل ؛ ولكنّه مردّد بين الرطل العراقي أو الرطل المكي.
وورد دليل آخر مفاده أنّ الكرّ تقديره ستمائة رطل وهو مردّد أيضا بين العراقي والمكّي.
فهنا حيث إنّنا نعلم أنّ المقصود منهما شيء واحد لاتحاد موضوعهما ، وحيث نعلم أيضا من الخارج بأنّ الرطل العراقي يساوي نصف الرطل المكي فيمكننا تحديد المقصود منهما وحلّ الإجمال بحمل الدليل الأوّل على الرطل المكي والثاني على الرطل العراقي ، إذ لو لم نفعل ذلك لوقع التناقض والتكاذب بين الدليلين مع أنّنا نعلم بأنّهما ناظران إلى شيء واحد.