الوجدان الشاهد بذلك ، لأنّ بناءهم هذا محسوس لدى كل عاقل من العقلاء في كل المجتمعات وليست هذه السيرة مختصّة بفترة زمنية معينة ، فإنّ سيرة العقلاء المعاصرة تأخذ بالظواهر وعن طريق أصالة عدم النقل أو عدم التغير نثبت كونها كانت موجودة حتّى في عصر الشارع وليست حادثة وطارئة ومتأخّرة عنه ، بل كانت قبله ومعه وبعده.
مضافا إلى أنّنا لو تتبعنا واستقرأنا كل المجتمعات بوصفها العقلائي لاستكشفنا أنّه لم يعهد للعمل بالظواهر بديل آخر بحيث إنّه لا يوجد مجتمع من المجتمعات لا يبني على العمل بالظواهر ، وهذا معناه أنّها مرتكزة عند كل عاقل في كل زمان ومكان.
الوجه الثالث : التمسّك بما دلّ على لزوم التمسّك بالكتاب والسنّة والعمل بهما ، بتقريب أنّ العمل بظاهر الآية أو الحديث مصداق عرفا لما هو المأمور به في تلك الأدلّة فيكون واجبا ، ومرجع هذا الوجوب إلى الحجيّة.
الوجه الثالث : أن يستدلّ على حجيّة الظهور بالروايات الصحيحة سندا الدالة على لزوم التمسّك بالكتاب والسنّة ، كحديث الثقلين ، أو الدالة على الرجوع إلى الكتاب والسنّة وتحكيمهما عند التعارض أو عند الاختلاف والتنازع والتحاكم.
فإنّ هذه الروايات تدلّ إما على التمسّك والعمل بالكتاب والسنّة بما هما ألفاظ أو بما هما معان ، وعلى كلا التقديرين يكون العمل بالظاهر أي بظاهر الآية أو بظاهر الرواية عملا بالكتاب إمّا لكونه مصداقا للعمل بالألفاظ وإمّا لكونه مصداقا للعمل بالمعنى ، وهذا يعني أنّ هذه الأخبار لها إطلاق لفظي أو مقامي للعمل بالظاهر ؛ لأنّ العمل بالظاهر يعتبر ـ عرفا ـ مصداقا للتمسّك والعمل بالكتاب والسنّة ، وحيث إنّ التمسّك والعمل بالكتاب والسنّة قد وقعا متعلّقا للأمر فيكونان واجبين ، وبما أنّ العمل بالظاهر مصداق عرفا لهما فيكون العمل به واجبا أيضا ، لكونه مصداقا للمأمور به ، وليس هناك معنى لوجوبه إلا كونه حجّة شرعا فيثبت المطلوب.
فالوجه الثالث مثلا بحاجة إلى تماميّة دليل على حجيّة الظهور ولو في الجملة دونهما ، لأنّ مرجعه إلى الاستدلال بظهور الأحاديث الآمرة بالتمسّك وإطلاقها فلا بد من فرض حجيّة هذا الظهور في الرتبة السابقة.