كما أنّ الوجهين الأوّلين يجب ألا يدخل في تتميمهما التمسك بظهور حال المولى لإثبات الإمضاء ، لأنّ الكلام الآن في حجيّته ، كما أشرنا إلى ذلك في الحلقة السابقة.
ثمّ إنّه توجد بعض الفوارق بين هذه الوجوه ، منها :
إنّ الوجه الثالث وهو الاستدلال بما دل على التمسّك والعمل بالكتاب والسنّة يحتاج إلى فرض حجيّة الظهور في الجملة ؛ وذلك لأنّ تماميّة الاستدلال بهذه الروايات متوقفة على كون ظهورها في الإطلاق اللفظي أو الإطلاق المقامي الشاملين للعمل بالظاهر حجّة في رتبة سابقة ، إذ لو لم يكن هذا المقدار حجّة لم يمكن الاستدلال بهذا الدليل لاستلزامه الدور أو المصادرة على المطلوب لأنّ الكلام في إثبات حجيّة الظهور مطلقا ـ أي كل ظهور ـ وهذا مبنيّ على أن يكون ظهور تلك الروايات بشكل خاص ثابتا وجدانا أو يوجد اطمئنان شخصي به ، أو كان ظهورهما في مرتبة عليا من الظهور لا يمكن التشكيك بها.
وبتعبير آخر : أنّ هذا الدليل كان يستدلّ بظاهر الروايات الدالة على لزوم التمسّك والعمل بالكتاب والسنّة الشاملة بإطلاقها للعمل بظاهر الكتاب والسنّة ، فإذا كان الظهور لم يفرغ عن حجيّته بعد فكيف يستدلّ بظهور هذه الروايات على العمل بالظهور وعلى حجيّة الظهور؟ إذ من الواضح حينئذ أنّ المدّعى والبرهان واحد.
والجواب : إنّنا نفترض أنّ ظهور الروايات الدالة على التمسّك بالكتاب والسنّة حجّة في مرتبة سابقة ، وذلك بأن نفرض حجيّة الظهور بالجملة ، أي أنّه توجد هناك مرتبة من الظهور لا إشكال في حجيّتها وفي العمل بها ، وهذه المرتبة موجودة في هذه الروايات ، ونريد أن نستدلّ من خلال ظهور هذه الروايات الواصلة إلى تلك المرتبة على حجيّة كل ظهور ، أي نريد الاستدلال بالروايات بعد الفراغ عن حجيّة الظهور بالجملة على حجيّة الظهور بكل تفصيلاته وجزئيّاته ، بحيث يكون الظهور الإجمالي الموجود في هذه الروايات حجّة للاستدلال على الظهور التفصيلي المطلوب إثباته.
وهذا نظير التبادر الذي يكون علامة على الحقيقة ، فإنّه متوقف على العلم الإجمالي الارتكازي بالوضع ، ويراد بالتبادر معرفة الوضع التفصيلي.