وحينئذ نقول : إنّه في هذه الحالة مثلا كيف يمكننا إثبات أنّ سيرة المتشرّعة كانت منعقدة فعلا على الأخذ والعمل بالظهور رغم وجود هذا الاحتمال؟
والجواب : هو أنّ سيرة المتشرّعة لو كانت هي المدرك الوحيد لحجيّة الظهور بمعزل عن السيرة العقلائيّة فلا يمكننا إثبات حجيّة الظهور في كل الحالات ، وخاصّة في هذه الحالة ، لما ذكرنا من أنّها تثبت حجيّة الظهور بنحو القضيّة المهملة ، التي هي بقوّة الجزئيّة ، والتي يقتصر فيها على القدر المتيقن وهو العمل والأخذ بحجيّة ظواهر الكتاب والسنّة الواضحة والجلية دون سائر موارد الظهور الأخرى ، فإنّه لا يمكن الجزم والتأكد بانعقاد سيرتهم على العمل والأخذ بحجيّة الظهور فيها.
نعم ، لو كان مدرك حجيّة الظهور هو السيرة العقلائيّة فيمكن تعميم البناء العقلائي لكل الموارد الأخرى استنادا إلى وجود الإيحاء والارتكاز عند العقلاء في الأخذ بالظهور ولو في بعض الموارد ، فإنّ هذا الارتكاز يوحي لهم ولو خطأ بأنّ العمل بالظهور في كل الموارد الأخرى حجّة أيضا ، وإلا لردع الشارع عنه ، فما دام لم يردع وسكت فيعمم العمل. والأخذ بالظهور من خصوص ظواهر الكتاب والسنّة الثابتين بالسيرة المتشرعية إلى كل ظهور سواء كان لفظيّا أم حاليّا وسواء كان واضحا جليا أم خفيا استنادا إلى الارتكاز والبناء العقلائي.
ولذلك يمكن الجواب عن هذا الإشكال بأنّ سيرة المتشرّعة وإن كانت قائمة على العمل والأخذ بالظواهر اللفظيّة الواضحة إلا أنّه بعد ضم البناء العقلائي على العمل بالظهور ولو في موارد خاصّة يعمّم هذا العمل كل الظهورات الأخرى.
وبالجملة : نستطيع أن نعمّم الحجيّة إلى سائر الموارد الأخرى ، فتكون سيرة المتشرّعة محتاجة إلى سيرة العقلاء من أجل تعميم الحجيّة فقط ، ورغم ذلك لا نحتاج إلى إثبات الإمضاء وعدم الردع ؛ لأنّ سيرة المتشرّعة منعقدة فعلا على العمل بالظهور بالجملة ومن خلال عملهم هذا ثبت أيضا أنّ العقلاء يبنون على العمل بالظهور في الجملة أيضا بوصفهم من جملة العقلاء أيضا ، إذ لو كان عملهم هذا بوصفهم المتشرعي البحت ولم يكن موجودا عند العقلاء ؛ لكان سلوكا غير مألوف ولكان يجب التأكيد عليه من الشارع وشيء من هذا لم يحصل.
وقد يلاحظ على الوجه الثاني ، وهو الاستدلال بالسيرة العقلائيّة أمران :