نعم ، هذا الإشكال مبنيّ على أن تكون هذه الأمارة العقلائيّة غير منهي عنها شرعا ، فإنّه إذا كان منهيا عنها شرعا واستفيد من دليل إسقاطها عن الحجيّة أنّ وجودها كعدمها لم يكن لقيامها على خلاف الظهور أىّ أثر ، بمعنى أنّ الظهور يبقى على حجيّته حتّى مع وجودها على خلافه ؛ لأنّ الشارع قد اعتبرها وكأنّها غير موجودة ، فكان وجودها وعدمها سيّان ، وبالتالي تكون السيرة تامّة ولا معارض لها أصلا.
والحاصل : أنّ هذا الاشكال مبنيّ على ألا تكون هذه الأمارة مردوعا عنها شرعا ، هذا أوّلا.
وثانيا : مبنيّ على ألا يستظهر من دليل النهي عنها ـ على فرض وجوده ـ أنّها نزّلت منزلة العدم ، وإلا لم يكن لها تأثير على منع كاشفيّة الظهور حتّى مع قيامها على خلافه كما هو الصحيح.
ولكنّ الصحيح أنّ هذا الكلام إنّما يتّجه لو قيل بأنّ الإمضاء يتحدّد بحدود العمل الصامت للعقلاء ، غير أنّك عرفت في الحلقة السابقة أنّ الإمضاء يتّجه إلى النكتة المرتكزة التي هي أساس العمل ، وهي في المقام الحجيّة الاقتضائية للظهور مطلقا ، وكل حجيّة كذلك لا يرفع اليد عنها إلا بحجّة ، والمفروض عدم حجيّة الأمارة على الخلاف شرعا ، فيتعيّن العمل بالظهور.
والصحيح أنّ هذا الإشكال إنّما يرد لو قيل بأنّ الإمضاء بالنسبة للسيرة العقلائيّة يتحدّد بحدود العمل الصامت الذي انعقدت عليه فعلا سيرة العقلاء ، فإنّه يمكن أن يقال : إنّ سيرة العقلاء لم تنعقد على العمل بالظهور فيما إذا كان هناك أمارة ظنيّة عقلائيّة على خلافه حتّى وان لم تكن معتبرة شرعا.
إلا أنّ الصحيح هو أنّ الإمضاء أوسع من ذلك ؛ لأنّه ينصبّ على المرتكز والإيحاء والبناء العقلائي الذي يوجبه انعقاد سيرتهم على أمر ما بحيث إنّهم على أساس هذا البناء يوسّعون دائرة الإمضاء إلى سائر الأغراض الأخرى التي لم تنعقد سيرتهم على العمل به فعلا.
وقد تقدّم عند الحديث عن السيرة أنّها وإن انعقدت على أغراضهم التشريعيّة أو