وتوضيح ذلك : إذا قال المتكلّم أو المولى العرفي : ( اذهب إلى البحر وخذ العلم منه ) كانت الجملة الأخيرة قرينة متّصلة على أنّ المراد الجدّي للمتكلّم من كلمة البحر ليس معناها الحقيقي ، وإنّما معنى آخر له مناسبة مع المعنى الأوّل وهو العالم ، إلا أنّ هذا لا يعني أنّ كلمة ( البحر ) عند سماعها في هذه الجملة لا تدلّ على معناها الحقيقي ، بمعنى أنّ الصورة الذهنية التي تحضر إلى الذهن عند سماعها هي تلك الصورة التي وضعت لها هذه الكلمة لغة.
نعم ، يعلم بأنّ المتكلّم لم يستعملها في معناها الحقيقي ولم يرد جدا هذا المعنى ، فالمدلول التصديقي الاستعمالي والجدّي هما اللذان ينهدمان بالقرينة المتّصلة على الخلاف ؛ لأنّهما كما تقدّم يعتمدان على ظهور حال المتكلّم وظاهر حال المتكلّم هنا أنّه لا يريد استعمالا وجدا المعنى التصوّري اللفظي لكلمة البحر ، للقرينة التي نصبها على الخلاف.
وأمّا الظهور التصوّري فهو لا يرتبط بظهور حال المتكلّم لينهدم إذا من ظهور حاله في أنّه ليس في مقام الاستعمال والإرادة الجديّة للمعنى الحقيقي ، وإنّما يرتبط بالوضع اللغوي وهذا لا ينثلم أبدا ؛ لأنّ الوضع ثابت من الواضع.
والدليل على ذلك أنّ هذا اللفظ لو صدر من غير العاقل لحضر المعنى إلى الذهن وكان دالا على معناه التصوّري ، فالظهور التصوّري محفوظ دائما.
ومن هنا صحّ القول بأنّ الظهور التصوّري للفظ في المعنى الحقيقي محفوظ حتّى مع القرينة المتّصلة على الخلاف ، وأنّ الظهور التصديقي له في ذلك منوط بعدم القرينة المتّصلة ، غير أنّه محفوظ حتّى مع ورود القرينة المنفصلة ، فإنّ القرينة المنفصلة لا تحول دون تكوّن أصل الظهور التصديقي للكلام في إرادة المعنى الحقيقي ، وإنّما تسقطه عن الحجيّة كما مرّ بنا في حلقة سابقة.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول بأنّ الظهور التصديقي للكلام محفوظ دائما ، سواء كان هناك قرينة متّصلة أو منفصلة على الخلاف أم لا ؛ لأنّ هذا الظهور كما تقدّم مرتبط بالمدلول الوضعي للفظ للمعنى ، فإذا وجد اللفظ وجد معناه الحقيقي.
وأمّا الظهور التصديقي في أنّ اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي وأنّه مراد جدا