كما إذا قيل مثلا : ( إذا رأت الصبيّة الدم قبل التسع فهو ليس بحيض ) فهذا لا يمنع من قولنا : ( إذا يئست المرأة فالدم الذي تراه ليس بحيض ) ، فإنّ الصبية واليائسة لا يجتمعان ؛ لأنّ اليائسة قد أخذ فيها ألا تكون صبيّة ؛ لأنّها التي تبلغ الخمسين أو الستين عاما.
وكقولنا : ( إذا تطهّرت الطهارة المائيّة جاز لك مسّ الآيات ) و ( إذا تيمّمت جاز لك مسّ الآيات ) فإنّ التيمّم قد أخذ فيه عدم الوضوء والغسل كما لا يخفى ، بحيث إنّه إذا توضّأ فلا تيمّم وإذا تيمّم فلا وضوء.
ثانيا : أنّ كون الشرط علّة للجزاء لا يقتضيه مجرّد تفريع الجزاء على الشرط في الكلام الكاشف عن التفريع الثبوتي والواقعي ؛ وذلك لأنّ التفريع الثبوتي لا ينحصر في العلّيّة بدليل أنّ التفريع بـ ( الفاء ) كما يصحّ بين العلّة والمعلول كذلك بين الجزء والكلّ ، والمتقدّم زمانا والمتأخّر كذلك ، فلا معيّن لاستفادة العلّيّة من التفريع.
الملاحظة الثانية : أنّ دعوى دلالة التفريع في الكلام على التفرّع في الواقع المستدلّ بها على العلّيّة غير تامّة ؛ لأنّ دعوى التفرّع الثبوتي وإن كانت صحيحة تبعا لأصالة التطابق بين الثبوت والإثبات ، أو الواقع والكلام ، إلا أنّ هذا التفرّع لا يتلازم مع العلّيّة بمجرّده ، أي أنّ إطلاق التفرّع الثبوتي لا يقتضي كون هذا التفرّع بنحو العلّيّة ؛ وذلك لأنّ التفرّع أعمّ من العلّيّة فلا ينحصر التفرّع واقعا بالعلّيّة ، بل يشملها هي وجزء العلّة أيضا ، ويشمل تفرّع الكلّ على الجزء ، ويشمل تفرّع المتأخّر في الزمان على المتقدّم.
وتوضيح ذلك : أنّ التفريع بالفاء الموجود إثباتا في الكلام كما يصحّ بين العلّة والمعلول فيقال : ( إذا شربت السم فتموت ) ، كذلك يصحّ التفرّع بين الجزء والكلّ. فإنّ الكلّ لا يوجد في الواقع إلا بعد وجود جميع الأجزاء فوجوده في الخارج متفرّع عن وجودها ، ولذلك يصحّ أن يقال : ( بنيت الجدران والسقف والأبواب والنوافذ فصارت غرفة ).
وكذلك يصحّ التفرّع الثبوتي بين المتقدّم والمتأخّر زمانا ، فيقال : ( إذا طلع الفجر فتطلع الشمس ) فإنّ طلوع الشمس متأخّر زمانا عن طلوع الفجر في الزمان ، وإنّ أحدهما ليس علّة للآخر.