وكذلك يصحّ التفرّع الثبوتي بين شيئين متزامنين إلا أنّ بينهما اختلافا في الرتبة ، كما في المعلولين لعلّة واحدة ، كقولنا : ( غلى الماء فتبخّر ) فإنّهما معا معلولان لسخونة الماء بالحرارة ، أو كقولنا : ( فتحت الباب بالمفتاح فانفتح ).
وهكذا يتّضح أنّ التفريع بـ ( الفاء ) كما ينسجم مع العلّيّة ينسجم مع غيرها أيضا ، ولا يتعيّن بأصالة التطابق بين مقامي الإثبات والثبوت كون التفرّع الثبوتي بنحو العلّيّة ، بل هو أعمّ أيضا. ولذلك يحتاج إثبات العلّيّة إلى أمر آخر غير أصالة التطابق. ولا يكفي مجرّد التطابق لإثبات العلّيّة ؛ لأنّ ثبوت الأعمّ لا يقتضي ثبوت الأخصّ ، بل يحتمل ثبوته ويحتمل عدمه.
ثالثا : إذا سلّمنا استفادة علّيّة الشرط للجزاء من التفريع ، نقول : إنّ كون الشرط علّة تامّة للجزاء لا يقتضيه مجرّد تفريع الجزاء على الشرط ؛ لأنّ التفريع يتناسب مع كون المفرّع عليه جزء العلّة.
الملاحظة الثالثة : لو سلّمنا أنّ التفريع بين الشرط والجزاء ثبوتا بنحو العلّيّة ، إلا أنّه مع ذلك نقول : إنّ هذه العلّيّة الثبوتيّة بينهما كما تصحّ فيما إذا كان الشرط علّة تامّة للجزاء كذلك تصحّ فيما إذا كان الشرط جزء العلّة ؛ لأنّ التفرّع الثبوتي بنحو العلّيّة يتناسب مع العلّة التامّة ومع جزء العلّة أيضا ؛ لأنّ المعلول يترتّب ويتفرّع على العلّة إذا كانت تامّة ، ويترتّب على جزئها الأخير إذا كانت أجزاؤها الأخرى متحقّقة أيضا.
ولذلك لا يكفي مجرّد العلّيّة لإثبات أنّها علّة تامّة إذ قد تكون علّة ناقصة أو جزء العلّة التامّة فقط ؛ لأنّه كما يصحّ أن يقال : ( إذا زالت الشمس فصلّ ) كذلك يصحّ أن يقال : ( إذا خفيت الجدران فقصّر ) ، فالتفريع العلّي ثابت في الحالين فيحتاج تعيين أحدها إلى طريق آخر غير مجرّد التفرّع.
وهذا الطريق يمكن إثباته بالإطلاق الأحوالي للشرط بأن يقال :
وإنّما يثبت بالإطلاق ؛ لأنّ مقتضى إطلاق ترتيب الجزاء على الشرط أنّه يترتّب عليه في جميع الحالات ، مع أنّه لو كان الشرط جزءا من العلّة التامّة لاختصّ ترتّب الجزاء على الشرط بحالة وجود الجزء الآخر ، فإطلاق ترتّب الجزاء على الشرط في جميع الحالات ينفي كون الشرط جزء العلّة.
نعم ، يمكن إثبات أنّ العلّة تامّة وليست جزء علّة ، وذلك عن طريق الإطلاق