فتارة يعمل العقلاء بالظهور في مجال تحصيل الأغراض التكوينيّة الشخصيّة.
وأخرى يعملون بالظهور في مجال الأغراض التشريعيّة فيما بينهم أي بين الآمرين والمأمورين.
فإذا أريد المجال الأوّل أي الاعتماد على الظهور من أجل اكتشاف وتحصيل الغرض الشخصي التكويني بأن كان للشخص غرض في معرفة معنى الكلمة ليضعها في كتابه أو رسالته ، فهنا يكون الظهور حجّة ما لم يقم على خلافه ظن فعلي شخصي أو لم يكن على وفاقه ظنّ كذلك ؛ وذلك لأنّ هذا الشخص لا يكتفي بالاعتماد على الظن النوعي الحاصل من الظهور لتحصيل غرضه الشخصي إلا اذا كان هذا الظهور النوعي يفيد لديه حصول الظن الشخصي الفعلي أيضا ، وإلا فلا يكون طريقا للغرض الشخصي ، بمعنى أنّ كل عاقل من العرف إذا كان له غرض شخصي خاص به يريد تحصيله فإنّه يتبع ويستخدم الطرق والوسائل التي تؤدّي إلى تحصيل هذا الغرض بنظره واعتقاده لا بنظر واعتقاد الآخرين. وعليه فإذا كانت وسائل وطرق الآخرين توجب تحصيل الغرض بنظره فيأخذ بها من باب أنّها كاشفة عن الواقع والمراد كشفا معتدّا به في نظره لا في نظرهم ، وإلا فلا يأخذ بها.
وإذا أريد المجال الثاني أي الاعتماد على الظهور لتنظيم العلاقات بين الآمرين والمأمورين فهنا لا يوجد غرض شخصي بل هناك غرض نوعي عام بين كل آمر وكل مأمور ، بمعنى أنّ كل آمر يعتمد على الطرق والأساليب التي تستخدم عادة وعرفا ونوعا بين كل آمر مع مأموريه ، ولذلك يكون الظهور النوعي الكاشف عن الواقع عند عامّة الناس من العقلاء وأبناء اللغة وأهل المحاورة ، حجّة لأنّه يراد به إثبات التنجيز أو التعذير من خلال ظاهر كلام الآمر وهذا يرتبط بمدلول الكلام لا بما يفهمه كل شخص لوحده ، لأنّ الآمر لا يوجّه كلامه وخطابه لهذا الشخص دون ذاك وإنّما للعموم ، وبما أنّ كلامه لهم جميعا واحد فيجب أن يكون مراده الجدّي الواقعي واحد أيضا.
وهذا لا يمكن إلا إذا استند على تفسير كلامه بما هو المتّفق عليه عند النوع بأن يؤخذ بظاهر كلامه لأنّه كاشف نوعي لدى الجميع ، بخلاف الظن الشخصي بالوفاق أو عدم الظن الشخصي بالخلاف فإنّه يختلف من شخص لآخر ، ولذلك يختلف فهم وتفسير مراد المولى وبالتالي يختلّ نظام العلاقة بين الآمر والمأمور.