وهذا الكلام لا يمكن قبوله بظاهره ، فإنّه وإن كان على حقّ في جعل الظهور التصديقي موضوعا للحجيّة كما تقدّم ، غير أنّ الظهور التصديقي للكلام في إرادة المعنى الحقيقي استعمالا جديّا ليس متقوّما بعدم القرينة المنفصلة ، بل بعدم القرينة المتّصلة فقط ؛ لأنّ هذا الظهور منشؤه ظهور حال المتكلّم في التطابق بين المدلول التصوّري لكلامه والمدلول التصديقي ، والتطابق بين المدلول التصديقي الأوّل والمدلول التصديقي الثاني ، والمنظور في هذين التطابقين شخص الكلام بكل ما يتضمنه من خصوصيات ، فإذا اكتمل شخص الكلام وتحدّد مدلوله التصوّري والمعنى المستعمل فيه تنجّز ظهور حال المتكلّم في أنّ ما قاله وما استعمل فيه اللفظ هو المراد جدا ، ومجيء القرينة المنفصلة تكذيب لهذا الظهور الحالي لا أنّه يعني نفيه موضوعا.
والتحقيق : أنّ ما ذكره الميرزا لا يمكن قبوله على ظاهره وإطلاقه ، فهو وإن كان محقّا بالنسبة للظهور التصوّري حيث إنّه لا يتقوّم بالقرينة مطلقا ، وبالنسبة لجعل موضوع حجيّة الظهور هو الظهور التصديقي لا التصوّري ، إلا أنّ ما ذكره بالنسبة للمدلول التصديقي الذي على أساسه نحدّد المراد الجدّي الواقعي للمتكلّم غير صحيح ، فإنّه جعله متقوّما بعدم ذكر القرينة المنفصلة على الخلاف بينما الصحيح كونه متقوّما بعدم ذكر القرينة المتّصلة فقط.
والوجه في ذلك : هو أنّ المتكلّم إذا تكلم بكلام ولم يذكر فيه قرينة متّصلة على الخلاف انعقد لكلامه ظهور تصوّري في أنّه أخطر هذا المعنى من اللفظ ، وانعقد على طبق هذا المدلول التصوّري مدلول تصديقي أوّل وهو أنّه استعمل هذا اللفظ في ذاك المعنى ، أي أنّه أراد أن يخطر هذا المعنى في الذهن ، بناء على أصالة التطابق بين المدلولين التصوّري والتصديقي الأوّل.
ثمّ إنّه إذا لم يذكر القرينة المتّصلة على الخلاف انعقد لكلامه ظهور تصديقي ثان في أنّه أراد جدّا هذا المعنى الذي أخطره واستعمل اللفظ فيه بناء على أصالة التطابق بين المدلولين التصديقي الأوّل والثاني.
ومن هنا يصحّ لنا القول بأنّ ظاهر حال المتكلّم أنّه أراد جدّا المعنى الذي استعمل اللفظ فيه والذي أخطره هذا اللفظ في الذهن تبعا لوضعه له لغة.