إذا فلا يوجد علّة أخرى للجزاء ، والوجه في بطلانهما هو : أمّا الأوّل بأن كان كلّ من العلّتين بعنوانهما الخاصّ علّة تامّة مستقلّة للجزاء ، فحيث إنّ الجزاء وجود واحد شخصي في عالم التشريع ـ ويقصد من ذلك أنّ الوجوب مثلا الذي هو مدلول هيئة الجزاء واحد بالنوع أو بالشخص في عالم الجعل والتشريع والواقع ـ فيستحيل أن يكون صادرا عن علّتين ؛ لأنّ الواحد لا يصدر إلا من واحد ، كما هو مقتضى القاعدة الفلسفيّة.
فلا بدّ إذا من فرض علّة واحدة أثّرت في المعلول الواحد ، وهذا معناه أنّ الافتراض الأوّل باطل ؛ لأنّه يستلزم تعدّد العلل مع وحدة المعلول ، وهو مخالف للقاعدة الفلسفيّة المذكورة (١).
وأمّا الثاني بأن كان الجامع بين العلّتين هو العلّة المؤثّرة في الجزاء كالوجوب مثلا فهنا لا يأتي المحذور السابق ؛ لأنّ الجامع واحد وقد صدر منه واحد أيضا ، إلا أنّ هذا على خلاف الظاهر والفهم العرفي من الجملة الشرطيّة.
فإنّ قولنا : ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) ، الظاهر منه كون الشرط بعنوانه الخاصّ هو العلّة للجزاء ؛ لأنّه المتبادر والمنسبق إلى الذهن العرفي ، وهذا معناه أنّ العلّة هي الشرط لا أنّ الشرط مصداق للعلّة الحقيقيّة ، فالعرف لا يفهم أنّ هذا الشرط كان مصداقا للعلّة وليس هو نفسه العلّة ، وإنّما العقل هو الذي يحلّل هذا الأمر فيكون هذا الفرض مخالفا للظاهر وللفهم العرفي ، والشارع سار على طريقة
__________________
(١) إنّ القاعدة المذكورة ( الواحد لا يصدر إلا من واحد ) إن كانت مختصّة بالواحد الشخصي فيكون تصوير المحذور بهذا الشكل :
إنّ الواحد الشخصي لا يصدر إلا من واحد شخصي ، وبما أنّ الوجوب الذي هو مدلول الجزاء واحد شخصي باعتبار ملاكاته ومبادئه فلا بدّ من صدوره من واحد شخصي أيضا ، فيستحيل كون العلّتين معا كلّ منهما علّة مستقلّة للوجوب.
وإن كانت شاملة للواحد النوعي فيكون تصوير المحذور بهذا الشكل :
إنّ الواحد بالنوع لا يصدر إلا من الواحد بالنوع ، وحيث إنّ الوجوب واحد بالنوع بلحاظ عالم الجعل والتشريع ، أو بلحاظ عالم المجعول ، فلا بدّ أن يصدر من واحد بالنوع أيضا لا هذا بخصوصه ولا ذاك ، فيستحيل إذا كون كلا العلّتين بعنوانهما الخاصّ علّة مستقلّة للوجوب ، بل لا بدّ من فرض علّة واحدة بالنوع تكون هي العلّة للوجوب.