وأمّا إذا انتفى المجيء فمن المحتمل انتفاء وجوب الإكرام بأن كان المجيء علّة تامّة منحصرة ، ومن المحتمل أيضا عدم انتفائه مطلقا ؛ إذ قد يكون له علّة أخرى يثبت بثبوتها ؛ لأنّ طبيعة الاستلزام تقتضي هذا المعنى لا أكثر ، وعليه فيكون المنتفي هو شخص هذا الوجوب ولا يمنع ذلك من ثبوت شخص آخر للوجوب مماثل لهذا بعلّة أخرى.
والحاصل : أنّ الاستلزام يثبت لنا قضيّة موجبة جزئيّة وهي أنّ الشرط علّة للجزاء ، وأمّا كون الشرط هو العلّة التامّة الوحيدة والمنحصرة للجزاء فهذا لا يثبت بمجرّد الاستلزام ، بل نحتاج في إثباته إلى مطلب آخر.
وأمّا ما ذكره الميرزا من إمكانيّة إثبات الانحصار بالإطلاق وقرينة الحكمة النافي للتقييد بـ ( أو ) فهو وإن صحّ إلا أنّه لا يفيد ذلك.
ببيان : أنّ الربط الاستلزامي العلّي بين الشرط والجزاء لا يتضيّق ولا يتوسّع ؛ لأنّه قضيّة جزئيّة ومن الواضح أنّ القضايا الجزئيّة تمتنع في نفسها من الصدق على كثيرين ، ولذلك فهي غير قابلة للتوسعة أصلا لتكون قابلة للتضييق.
فإذا قلنا : ( مجيء زيد علّة لوجوب إكرامه ) لا يكون وجود علّة أخرى والتقييد بـ ( أو ) موجبا لتضييق علّيّة المجيء لوجوب الإكرام ، بل يكون إفادة لمطلب آخر زائد لم يكن موجودا ، وهو أنّه يوجد علّة أخرى للوجوب ، ووجود العلّة الأخرى لا يؤثّر في علّيّة الشرط للجزاء سلبا أو إيجابا ؛ لأنّ علّيّة الشرط كانت بنحو أنّ هذا يستلزم ذاك ، وهذا الاستلزام لا يتبدّل ولا يتغيّر مع وجود العلّة الأخرى.
فإذا قلنا : شرب السمّ علّة للموت ، وقلنا : الاحتراق علّة للموت ، والغرق علّة للموت لا يؤثّر أحدهما في علّيّة الآخر تضييقا أو توسعة ؛ لأنّ العلّيّة معناها أنّ هذا يستلزم ذاك ، وهذا المعنى موجود في كلّ هذه العلل.
وبهذا يتّضح أنّ وجود ( أو ) وعدم وجودها لا يؤثّر في كون الشرط مستلزما للجزاء سلبا أو إيجابا. وعليه فلا يكون الإطلاق وقرينة الحكمة لنفي التقييد بـ ( أو ) موجبا للتوسعة ؛ لأنّ وجود ( أو ) لا يوجب التقييد أصلا ، حيث إنّ المفهوم الثابت في الجملة الشرطيّة بناء على هذا الاحتمال مفهوم جزئي لا يقبل الإطلاق ولا التضييق.